Defense & Security
من العراق إلى إفريقيا: كيف وسعت الحرب في غزة طموحات الحوثيين
Image Source : Shutterstock
Subscribe to our weekly newsletters for free
If you want to subscribe to World & New World Newsletter, please enter
your e-mail
Defense & Security
Image Source : Shutterstock
First Published in: Oct.10,2024
Oct.28, 2024
بعد مرور عام على الصراع في غزة، برزت حركة الحوثيين التي تطلق على نفسها اسم "أنصار الله"، والتي كانت تركز في السابق على الدفاع عن سيادة اليمن، كواحدة من أكثر الأعضاء نشاطا في "محور المقاومة" ــ وهي مجموعة تضم جهات فاعلة من الدول وغير الدول الموالية لإيران. ولم تعمل المنصة العسكرية السياسية على توسيع جغرافية هجماتها إلى ساحات بعيدة نسبيا فحسب، بل إنها عززت أيضا نطاق وصولها العالمي، فوصلت إلى جماهير في جنوب آسيا وأوروبا والولايات المتحدة. كان التطور الأكثر أهمية هو قدرة الحوثيين على تعزيز نشاطهم الدبلوماسي خارج نطاق اهتمامهم التقليدي. فقد زادت "أنصار الله" من التنسيق مع أعضاء "محور المقاومة" في العراق لتنفيذ ضربات ضد إسرائيل. وكان الاتجاه الآخر الجدير بالملاحظة هو إفريقيا، حيث بدأت حركة المتمردين اليمنيين، وفقا لتقارير أميركية، مفاوضات مع جماعة "الشباب" الصومالية (المعترف بها كمنظمة إرهابية، ومحظورة في روسيا) بشأن نقل الأسلحة. كانت الخسارة الدبلوماسية الكبرى التي تكبدتها الحركة اليمنية هي إضعاف الثقة مع سوريا. ففي خريف عام 2023، ألغت حكومة الرئيس بشار الأسد حقوق الحوثيين في التمثيل الدبلوماسي في دمشق ووعدت بتسليمها إلى فصيل منافس، الحكومة المركزية في اليمن. ولكن منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأت حركة «أنصار الله»، التي أظهرت تضامنها النشط مع حماس، تتطور بشكل مطرد إلى كيان متكامل عابر للحدود الوطنية قادر على التأثير على ديناميكيات الأمن إلى ما هو أبعد من شبه الجزيرة العربية.
في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد أيام قليلة من شن الجناح المسلح لحماس هجوما على جنوب إسرائيل، أمرت الحكومة السورية بسحب تمثيل الحوثيين الدبلوماسي في دمشق. وكانت الحركة اليمنية، التي ترتبط بشكل غير رسمي بالحكومة السورية من خلال «محور المقاومة»، لديها سفارة خاصة بها في العاصمة منذ عام 2015، عندما بدأت الدول العربية بقيادة السعودية تدخلها الرسمي في اليمن. ويبدو أن هذه الخطوة جاءت بتأثير من دول الخليج الحريصة على إعادة دمج سوريا في المجتمع العربي بأي ثمن. فقبل ثلاثة أيام فقط من طرد دبلوماسيي «أنصار الله»، أجرى زعماء سوريا والإمارات العربية المتحدة محادثة هاتفية، وكان التركيز الأساسي فيها على الوضع في غزة. وبحسب ما ورد في التقارير، أصدرت أبو ظبي تحذيرا حذرا لدمشق، ونصحتها بالامتناع عن التورط المباشر في الصراع بين إسرائيل وحماس ومنع الجماعات شبه العسكرية التي لا تخضع لسيطرة كافية من استخدام الأراضي السورية كنقطة انطلاق لشن هجمات على إسرائيل. ومن العلامات غير المباشرة على أن التغييرات التي طرأت على السفارة كانت بتأثير من دول مجلس التعاون الخليجي أن المبنى الذي تم الاستيلاء عليه كان قد وُعد به لممثلي الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والتي تعتمد تقليديا على المملكة العربية السعودية للحصول على الدعم. ومع ذلك، أعرب بعض الخبراء العرب عن شكوكهم في أن نقل البعثة الدبلوماسية إلى فصيل يمني آخر يحمل بالضرورة رسالة سياسية واضحة المعالم. وبحسب مراكز أبحاث إسرائيلية، لا يزال الحوثيون يحتفظون بوجود عسكري في سوريا، بقيادة الملحق العسكري شرف الماوري. وتشير التقارير إلى أن السلطات السورية تواصل دعوة الملحق العسكري إلى المناسبات الرسمية وتسمح له بحرية التواصل مع أجهزة الأمن المحلية. وفضلا عن ذلك، يشير المحللون الإسرائيليون إلى أن حركة «أنصار الله» لديها مجموعة من العملاء في سوريا، ربما يصل عددهم إلى المئات. ويُعتقد أن بعض هؤلاء المقاتلين لديهم خبرة في تشغيل الطائرات بدون طيار وإطلاق الصواريخ الباليستية. لذلك فإن الوضع حول سفارة دمشق لم يؤد إلى انهيار كامل للعلاقات بين سوريا وأنصار الله، على الرغم من أن مسؤولي الحركة اليمنية اعتبروه مأساة مطلقة.
في يونيو/حزيران 2024، أعلنت قيادة «أنصار الله» عن خطط لتنسيق هجماتها على إسرائيل مع «المقاومة الإسلامية في العراق» - وهو تحالف من عدة مجموعات شيعية. وقد أبرزت الهجمات المنسقة على البنية التحتية الحيوية في مدن الموانئ الإسرائيلية التعاون بين هاتين القوتين. في أعقاب قرار حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باستهداف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، صعد الحوثيون و"المقاومة الإسلامية في العراق" الضغوط العسكرية على إسرائيل. وفي خضم التصعيد حول لبنان في صيف عام 2024، افتتح الحوثيون مكتبهم الخاص في بغداد، على غرار جماعة حماس. وتحاول قيادة "أنصار الله" تعزيز العلاقات مع العراق منذ العقد الماضي. وفي عام 2015، أرسلت الحركة اليمنية ممثلا لها إلى بغداد لتوسيع العلاقات السياسية والدفاعية الثنائية. وعلاوة على ذلك، هناك وجهة نظر مفادها أن حركة "أنصار الله" تعاونت بنشاط مع الفصائل الشيعية في العراق عندما شنت هجوما مشتركا قويا على منشآت صناعة النفط في المملكة العربية السعودية في عام 2019: كان من الممكن أن يتم إطلاق طائرات بدون طيار قتالية من أراضي الجمهورية. ويعتقد الخبراء أن طبيعة هذه الاتصالات تغيرت الآن نوعيا. وبحسب تقديراتهم، فإن إحدى المهام الرئيسية لمكتب تمثيل الحوثيين الذي افتتح في بغداد في الصيف الماضي، ينبغي أن تكون الحصول على الدعم المالي من الدوائر الموالية في العراق. خاصة وأن «أنصار الله» تواجه مشاكل في إدارة التدفقات المالية داخل اليمن منذ بداية هذا العام. وفي نفس الوقت، يبدو العراق مكانا مريحا نسبيا من وجهة نظر تنسيق الإجراءات على طول «محور المقاومة»: فممثلو القيادة العسكرية والسياسية الإيرانية يزورون الجمهورية في كثير من الأحيان. إن التعاون بين الحوثيين والجماعات العراقية لديه كل الفرص للتطور، وخاصة على خلفية الرغبة المتضاربة من جانب حكومة نتنياهو في قمع الإمكانات العسكرية والقيادية لخصومها "على سبع جبهات" بأي ثمن. ويبدو أن مكتب بغداد الجديد لـ «أنصار الله» لا يلعب دور المركز المالي فحسب، بل وأيضا غرفة عمليات مشتركة لتنظيم الضربات على إسرائيل.
تشعر الدول الغربية بقلق متزايد إزاء استعداد «أنصار الله» لتوسيع نفوذها في إفريقيا. وتشير تقارير مجتمع الاستخبارات الأميركي إلى أن الحركة اليمنية عازمة على إقامة علاقات فعالة مع «الشباب» وهي جماعة مسلحة تعمل في منطقة القرن الإفريقي، مما قد يخلق تهديدا استراتيجيا للمصالح الغربية في القارة. وتشتبه وكالات الاستخبارات في أن المجموعتين تركزان في الوقت الحالي بشكل أساسي على صفقات الأسلحة. ولاحظت مراكز الأبحاث الأميركية أن «أنصار الله» (الحوثيين) و«الشباب» كانت لديهما بالفعل علاقات غير مباشرة من خلال شبكات تجارة الأسلحة المحلية. ولكن واشنطن تعتقد الآن أن هاتين المجموعتين، على الرغم من كونهما متعارضتين أيديولوجيا، منخرطتان حاليا في حوار مباشر. وتفيد التقارير إلى أن هذا الحوار يركز على نقل تكنولوجيات الحرب المتقدمة إلى الجهاديين الصوماليين، بما في ذلك أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات والطائرات بدون طيار المقاتلة. ولا تشك القيادة الأميركية في إفريقيا في أن «الشباب» من المرجح أن تستخدم المعدات التي يوفرها الحوثيون لاستهداف المرافق الأميركية والأفراد النظاميين. ولواشنطن يد مباشرة في منطقة القرن الإفريقي: حيث تطارد الطائرات بدون طيار الأميركية باستمرار كبار قادة «الشباب» وتجمع المعلومات الاستخباراتية في الصومال. ولكن الوضع قد لا يقتصر على الصومال. إذ يزعم مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي أن الحوثيين يخططون لتوسيع وجودهم في أجزاء أخرى من إفريقيا، من أجل إظهار القوة العسكرية دون عوائق في شرق البحر الأبيض المتوسط. على سبيل المثال، وفقا لهذه التقارير، تبحث الحركة اليمنية عن موطئ قدم ملموس في السودان ومصر والمغرب، زعما آملة نقل مجموعات من عملائها إلى هناك. وفي هذا العام، وعد الحوثيون بإلحاق الضرر بالمصالح الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط، وتعتقد الدولة اليهودية أن هذا التهديد ليس وهميا.
خلال 12 شهرا من العمليات العسكرية المدمرة في قطاع غزة، أثبتت حركة «أنصار الله» نفسها كواحدة من أقوى الروابط في «محور المقاومة». وقد منحها هذا الفرصة لتصبح شريكا جذابا للاعبين الذين يبنون سياساتهم في الشرق الأوسط على نقيض نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها. من الواضح تماما أن رأس مال السياسة الخارجية للحوثيين لم ينم إلا على خلفية العملية الأمريكية البريطانية التي شنت ضدهم ليلة 12 يناير/كانون الثاني 2024: لم تفشل الضربات الضخمة من البحر في إضعاف الإمكانات العسكرية للمنظمة اليمنية فحسب، بل أظهرت أيضا في الأشهر الأولى عجز المجتمع الدولي فيما يتعلق بالحماية العسكرية لأهم الشرايين البحرية. وإذا كانت التقارير التي تتحدث عن نقل «أنصار الله» لمقاتليها إلى سوريا ودول عربية وإفريقية قريبة من الوضع الحقيقي للأمور، فإن هذا يبدو الآن أقرب إلى التحرك السياسي منه إلى التحرك التكتيكي، نظرا لحساسية إسرائيل الشديدة تجاه نشاط القوات القريبة من إيران على طول محيط مصالحها. والسؤال الآخر هو أن نقل حتى عدد رمزي من المقاتلين قد يعطي حكومة نتنياهو ذريعة رسمية للجوء إلى سيناريوهات التصعيد. ومع ذلك، فإن اتصالات الحركة اليمنية مع الجهاديين الصوماليين تحمل كل سمات التحول الاستراتيجي الكبير. وإذا كان المستوى العملي لتعاونهم يمنحهم الحرية في ممارسة الضغط على خليج عدن من جوانب مختلفة، فقد يصبح هذا بمثابة ضربة لمصالح الجهات الفاعلة العالمية ويزيد من التأثير السلبي للأحداث حول اليمن على الاقتصاد العالمي. وقد أدت محاولة الحوثيين للتحول إلى حركة عابرة للحدود الوطنية، والتي ظهرت كرد فعل على الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، إلى توسيع قدراتهم العملياتية. من ناحية، يسمح هذا لـ "محور المقاومة" بقيادة إيران بالحفاظ على مظهر الوحدة وسط لامبالاة الشركاء السوريين والشلل الذي يسيطر على حزب الله، ولكن من ناحية أخرى، من خلال تنويع علاقاتهم، يعمل الحوثيون على تحييد صورة الكيان العسكري السياسي المعتمد كليا على إيران، وهي التسمية التي أطلقوا عليها منذ تصعيد القتال في اليمن.
First published in :
معلق على الشؤون الدولية تحت إشراف رئيس تحرير Nezavisimaya Gazeta
Unlock articles by signing up or logging in.
Become a member for unrestricted reading!