Defense & Security
ورقة علمية: جماعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (سيلاك CELAC) وطوفان الأقصى
Image Source : Shutterstock
Subscribe to our weekly newsletters for free
If you want to subscribe to World & New World Newsletter, please enter
your e-mail
Defense & Security
Image Source : Shutterstock
First Published in: Aug.02,2024
Nov.04, 2024
في سنة 2010 تمّ تأسيس جماعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (سيلاك) The Community of Latin America and Caribbean States (CELAC) واكتملت المصادقة عليها سنة 2011، وبلغ عدد الأعضاء في هذا التنظيم الإقليمي الدولي 33 دولة، وطبقاً لبيانات المنظمة فإنها تهدف إلى "تعميق التكامل بين دول أمريكا اللاتينية، والعمل على تعزيز السلام الدولي واحترام حقوق الإنسان"، إلى جانب طموح "ضمني" لعدد من الأعضاء للحدِّ من النفوذ السياسي والاقتصادي الأمريكي في شؤون هذه المنطقة، وهو ما يظهر من سياق بعض بيانات المنظمة.[2] ويبلغ مجموع عدد سكان الدول الأعضاء نحو 635 مليون نسمة، وتغطي مساحة تصل إلى قرابة 22 مليون كم2، وهي تشكل 17% من القوة التصويتية في الأمم المتحدة، ويشكل إجمالي ناتجها المحلي "على أساس المعادل الشرائي Purchasing Power Parity (PPP)"ط لسنة 2023 نحو 12.8 تريليون دولار، أي ما يعادل 7.8% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، ولكن أربع دول من بين الـ 33 تحوز على ما يزيد عن 9.6 تريليون، أي قرابة 75% من إجمالي الناتج المحلي للمجموعة، كما أن عدد سكان هذه الدول الأربع يعادل 68% من إجمالي سكان جماعة سيلاك الإقليمية، كما يتضح من الجدول التالي:[3]
يمكن وصف إقليم أمريكا اللاتينية والكاريبي بأنه الإقليم الأعلى بين أقاليم العالم في نسبة "الأنظمة السياسية اليسارية بأطيافها المتعددة"، فلو أخذنا أهم 19 دولة في الإقليم سنجد أن 12 منها تقودها حكومات ذات نزعة يسارية، نسبة 63%، كما تشكل الكتلة السكانية لهذه المجموعة من الدول ذات النظم اليسارية 92% من سكان الإقليم كله و90% من إجمالي ناتجه المحلي،[4] وهو أمر ينعكس بشكل واضح على توجهات دول جماعة أمريكا اللاتينية والكاريبي تجاه مسألتَيْن مترابطتَيْن، هما الموقف من طوفان الأقصى برفض، ولو بدرجات مختلفة، للسياسة الإسرائيلية من ناحية، والنزعة الاستقلالية نسبياً عن النفوذ الأمريكي في ذلك الإقليم من ناحية أخرى.
كشف المؤتمر الثامن لجماعة سيلاك في آذار/ مارس 2024 في مدينة كنغزتاون، عاصمة دولة سانت فينسنيت والغرينادين، عن عدم توافق بين أعضاء المجموعة تجاه طوفان الأقصى، وبالرغم من الصياغة التوفيقية في بيان المؤتمر فإن 27 دولة وافقت عليه بينما اعترضت عليه 6 دول،[6] واشتمل القرار في نصّه على:[7] أ. إدانة قتل المدنيين من الجانبيْن الفلسطيني والإسرائيلي وضرورة العمل على حماية المدنيين طبقاً للقانون الدولي. ب. تأييد دعوة وقف إطلاق النار الصادرة عن توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة General Assembly. ج. إطلاق سراح الرهائن بشكل فوري ودون شروط. د. إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة في قطاع غزة. هـ. الدعوة لحلٍّ سلمي يقوم على أساس حل الدولتين.
مكن اعتبار الدول ذات النزعة اليسارية هي الأكثر مساندة للموقف الفلسطيني، وتتضح مؤشرات ذلك في التصريحات التي أطلقها قادة هذه الدول، فالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو Nicolás Maduro انتقد "الموقف الدولي من الإبادة التي تجري في غزة، مشيراً إلى أن العدالة الدولية موجودة فقط لحماية مصالح الأمريكيين والأوروبيين والإمبريالية الغربية وبهدف إخفاء المجازر الموجهة ضد العائلات الفلسطينية"، وتناغم مع هذا الموقف الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا Lula da Silva الذي طالب "القوى دائمة العضوية في مجلس الأمن بتنحية خلافاتهم جانباً لوضع حدٍّ للإبادة الجماعية في غزة"، ثم أكد على تأييده لوقف فوري لإطلاق النار الذي ورد في بيان مؤتمر الجماعة الأمريكية اللاتينية في المؤتمر الثامن، ناهيك عن محاولة البرازيل مساندة قرارات مجلس الأمن الدولي Security Council لوقف القتال في قطاع غزة لولا استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو Veto)، أما الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو Gustavo Petro، فقد رأى أن كلاً من الولايات المتحدة وأوروبا "يؤيدان الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل"، وتناغم الموقف النيكاراغوي مع هذه التوجهات. وبشكل عام، يمكن تقسيم مواقف دول جماعة سيلاك خصوصاً القوى الكبرى منها إلى ثلاثة مواقف كما يتضح في الجدول التالي:[9]
أ. الدول الأقرب للموقف الإسرائيلي: يمكن الإشارة إلى أن هذه المجموعة تتباين بينها في درجة المساندة للطرف الإسرائيلي، وهو ما يمكن إيضاحه من خلال المؤشرات التالية: • يكاد أن يكون الموقف السلفادوري هو الأكثر شراسة ضدّ الفلسطينيين، بالرغم من أن الرئيس السلفادوري نجيب بوكيلةNayib Bukele مسيحي من أصل فلسطيني، وهو من دعاة "زوال المقاومة الفلسطينية"، وهو يتوازى مع موقف باراغواي التي كانت من ضمن القلة من الدول التي وصفت المقاومة الفلسطينية بـ "الإرهاب"، بل أعلنت نيتها نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، كما أن موقفها من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة اتَّسم بعدم الإدانة في الأمم المتحدة، كما يغلب على مواقفها الامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة عندما يكون القرار المطروح فيه مساندة لحق فلسطيني. • يشكل دور الأقلية اليهودية في الأرجنتين عاملاً مهما في التأثير على الحكومة، ففي الأرجنتين يوجد ما بين 300-400 ألف يهودي؛ وهي المجموعة اليهودية الأكبر في أمريكا اللاتينية وتحتل المرتبة الخامسة عالمياً في عدد يهودها، كما أن وقوع بعض الهجمات على مؤسسات يهودية في الأرجنتين خلال الفترة 1992-1994، وربط هذه الهجمات بإيران التي يتمّ الترويج بأنها من أهم داعمي المقاومة الفلسطينية، كان له أثر في توجهات الحكومة بالرغم من معارضة حزب جبهة اليسار العمالية الأرجنتينية Worker’s Left Front – Unity المساندة لفلسطين. • كانت غواتيمالا هي أول دولة أمريكية لاتينية تنقل سفارتها إلى القدس، وتمثل غواتيمالا، نحو 18 مليون نسمة، أحد مراكز الثقل للمسيحية الإنجليكانية الأكثر تعاطفاً مع الصهيونية. ب. الدول التي اتخذت موقفاً وسطاً بين الطرفين، أي محاولة التعبير عن مواقف تجمع بين التأييد في جانب والمعارضة في جانب آخر لكل من طرفَيْ الصراع: • انتقدت كل من المكسيك والبرازيل هجوم 7/10/2023 على "إسرائيل"، ولكنها اتخذت ردّ فعل رافض وبقوة لردِّ الفعل الإسرائيلي. • يلاحظ في ديبلوماسية كل من البرازيل والمكسيك نوعاً من توزيع الأدوار، فمن ناحية كانت الرئاسة فيهما تتخذ مواقف أكثر وضوحاً من مواقف وزارتَيْ الخارجية في البلدَيْن، إذ طغت اللغة الديبلوماسية على وزارات الخارجية فيهما. • لم تقطع المكسيك العلاقات مع "إسرائيل" ولكنها وجهت عبر كلمات ممثليها في الأمم المتحدة انتقادات حادة لحكومة "إسرائيل". • يمكن اعتبار الإكوادور ضمن هذه المجموعة نظراً لمحاولتها إرسال نائبة الرئيس الإكوادوري "فيرونيكا آباد Veronica Abad" للسعي لتسوية سلمية بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل" في تشرين الأول/ نوفمبر 2023، كما أن الإكوادور ساندت طلب العضوية الكاملة لفلسطين في كل من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكنها دانت بشكل واضح الهجوم الذي قامت به المقاومة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ج. الدول الداعمة للحقوق الفلسطينية، هي دول في معظمها ذات توجهات يسارية، واتسمت سياساتها بما يلي: • أبدت نيكاراغوا تأييداً لا لبس فيه للموقف الفلسطيني، بل واستقبلت بعض القيادات الفلسطينية بعد الحرب. • شكلت كولومبيا موقفاً واضحاً ومسانداً بقوة لفلسطين، وتمثل كولومبيا الدولة الأكثر حدة في نقدها للسياسات الإسرائيلية، وبلغت ذروة موقفها في الإعلان عن قرار قطع العلاقة مع "إسرائيل"، ثم توجيه انتقادات حادة للسياسة الإسرائيلية في غزة والتي وصفها الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بأنها "إبادة جماعية". ومن الضروري الإشارة إلى أن موقف كولومبيا يتجاوز "بعض المصالح المشتركة بين إسرائيل وكولومبيا"، فمعلوم أن كولومبيا تعتمد على "إسرائيل" في بعض التجهيزات العسكرية لمواجهة بعض جماعات المعارضة المسلحة وبعض جماعات تهريب المخدرات، إضافة لوجود اتفاقية تجارة حرة بين الطرفين منذ سنة 2020، ناهيك عن سلسلة اتفاقيات بين الطرفين منذ إقامة العلاقات بينهما سنة 1957، وتشير البيانات التجارية المتوفرة إلى أن التجارة بين "إسرائيل" وكولومبيا تراجعت بعد طوفان الأقصى بنحو 53% مقارنة بسنة 2022. • شكَّل الموقف الكوبي والفنزويلي استمراراً لموقفهما التقليدي المساند للحق الفلسطيني، وبررت كوبا الهجوم الفلسطيني في 7/10/2023 بأنه ردِّ فعل على 75 عاماً من اضطهاد الفلسطينيين. • لم تُدِنْ بوليفيا الهجوم الفلسطيني في تشرين الأول/ أكتوبر، وتركزت بياناتها على عدم التصعيد في الموقف بين الطرفين، ولكن عدم الاستجابة لدعواتها من طرف "إسرائيل" دفعها لإعلان قطع العلاقات معها ومساندة جنوب إفريقيا في الدعوى ضدّ "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية International Court of Justice (ICJ) ودعم الدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية International Criminal Court (ICC)، وتعزز الموقف من "إسرائيل" بقيام كل من كولومبيا وبليز بقطع العلاقة مع "إسرائيل"، واللافت للنظر أن بوليفيا تعرضت في الأسبوع الأخير من حزيران/ يونيو 2024 إلى محاولة انقلابية فاشلة، مما أثار شكوكاً باحتمال أن يكون للولايات المتحدة و"إسرائيل" دوراً في هذا الأمر انتقاماً من الموقف البوليفي الواضح من الحرب على غزة.[10] • من الواضح أن وزن الجالية الفلسطينية في التشيلي، وهي الأكبر في أمريكا اللاتينية ويصل عددها إلى قرابة نصف مليون من ذوي الأصول الفلسطينية، أسهم بقدر ما في التأثير على السياسة التشيلية، ويتضح ذلك في القرار الذي اتخذته لجنة حقوق الإنسان التابعة لمجلس الشيوخ التشيلي بمنع الشركات من استيراد السلع المُنتَجة في المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما وصفه مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية بأنه قرار "يستهدف إسرائيل بشكل غير عادل".[11] • أبدت هندوراس بعض التراخي في تأييدها لـ "إسرائيل"" بعد الهجمات الإسرائيلية على المدنيين، مما دفع الحكومة لاستدعاء السفير الإسرائيلي لتقديم الاحتجاج على الهجمات، مع الإشارة إلى أنها كانت من ضمن أوائل الدول التي نقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس سنة 2021، بعد كل من غواتيمالا وبرغواي سنة 2018، إلا أن غواتيمالا أعادت السفارة بعد شهور إلى تل أبيب. ومن الممكن تفسير التطور النسبي في الموقف الهندوراسي بالتحول في قيادة الدولة من اليمين إلى اليسار بعد فوز السيدة زيومارا كاسترو Xiomara Castro بالرئاسة في سنة 2022. • منذ بداية الحرب، تطورت مواقف دول أمريكا اللاتينية المساندة لفلسطين في المستويات الديبلوماسية بشكل خاص، وبدأت عمليات قطع العلاقات واستدعاء السفراء من "إسرائيل"، وهو ما بدأته كل من تشيلي وكولومبيا وهندوراس، في حين قطعت بوليفيا وبليز العلاقات الديبلوماسية مع "إسرائيل" تماماً، وكانت بوليفيا واحدة من الدول الخمس التي أحالت الوضع في غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فيه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وفي الإحالة، تستشهد بوليفيا بأدلة على ارتكاب جرائم ضدّ الفلسطينيين بما في ذلك القتل، والتعذيب، والمعاملة اللا إنسانية، والاضطهاد، والفصل العنصري، والترحيل القسري، وتدمير التراث الثقافي الفلسطيني، وقد فعلت المكسيك وتشيلي الشيء نفسه في كانون الثاني/ يناير 2024، في حين أصدرت وزارتا الخارجية البرازيلية وكولومبيا بيانات تدعم قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية، وكان الموقف البرازيلي هو الرائد في هذا المجال، وهو ما تسبب في توتر العلاقة بين البرازيل و"إسرائيل" بالرغم من جهود الكونفيدرالية البرازيلية الإسرائيلية Brazilian Israelite Confederation (CONIB) لرأب الصدع بين الطرفين، ولكن تصريحات الرئيس البرازيلي حول "أن ما يجري في غزة لم يحدث مثله في التاريخ إلا من قبل هتلر [Hitler] مع اليهود"،[12] وتأكيد وزارة الخارجية البرازيلية تأييدها لاعتراف دول أوروبية بفلسطين كدولة وتأييدها لحل الدولتين عزز من الموقف البرازيلي ضدّ السياسات الإسرائيلية.
بمراجعة قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي يتبيّن أن الدول الأكثر عداء لمساندة القرارات المؤيدة للمطالب الفلسطينية هي غواتيمالا وبارغواي والأرجنتين تليها هاييتي وأورغواي وبنما والسلفادور، إذ تجنح هذه الدول في أغلب الحالات إلى المعارضة أو الامتناع عن التصويت، وتمثل الأرجنتين الدولة الأهم بين الدول القريبة من السياسة الإسرائيلية، بعدد سكاني يقارب 46 مليون نسمة، تليها غواتيمالا بنحو 18 مليون نسمة، ثم بارغواي بنحو 7 مليون نسمة، وبنما 4.5 مليون نسمة، وأخيراً أورغواي بنحو 3.5 مليون نسمة، كما تحتل الأرجنتين المرتبة الثالثة بين دول جماعة سيلاك من حيث إجمالي الناتج المحلي والرابعة من حيث عدد السكان. ويمكن الربط بين سياسات الأرجنتين تجاه الحقوق الفلسطينية وبين التحوّل السياسي الذي أحدثه الرئيس خافيير ميلي Javier Milei الذي يسعى إلى الاندماج مع الكتلة الرأسمالية الغربية في توجهاته السياسية الخارجية،[13] فالأرجنتين لم تؤيد قرار الجمعية العامة لوقف إطلاق النار في كانون الأول/ ديسمبر 2023، وعارضت قرار منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ويمكن تفسير الموقف الأرجنتيني بالأسباب التالية:[14] أ. النزوع الديني للرئيس خافيير ميلي نحو اليهودية، وقد ظهر ذلك في صلاته عند حائط المبكى في القدس قبل ثلاثة أعوام مع أحد الحاخامات اليهود، وهو الحاخام شيمون آكسل واهنيش Shimon Axel Wahnish سنة 2021 والذي تمّ تعيينه لاحقاً سفيراً لـ "إسرائيل" في بيونس آيرس، وبالرغم من أن الرئيس الأرجنتيني ينتمي للمسيحية الكاثوليكية فقد أشارت بعض المصادر إلى نزعة لديه للتحوّل نحو اليهودية، ولكن مصادر أخرى تُشير إلى أن الرئيس ميلي يسعى بهذه النزعة اليهودية للتعبير عن توبته وطمس اتهام وُجه له في فترة سابقة بإخفاء أحد مؤيدي النازية. ب. رغبة الرئيس الأرجنتيني في التقرب من الأقلية اليهودية في الأرجنتين والتي أشرنا لها سابقاً، ولكن نحو أربعة آلاف من نخبة المثقفين اليهود في الأرجنتين حذروا من "استخدامه السياسي لليهودية"، وقد كان ذلك الاستخدام بادياً بأنه كان من أوائل رؤساء العالم الذين زاروا "إسرائيل" بعد اشتعال الحرب، وأثنى بشكل كبير على سياسات بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu واعداً بنقل سفارة الأرجنتين من تل أبيب إلى القدس. واللافت للنظر أن الرئيس الأرجنتيني كشف عن انحياز مطلق لـ "إسرائيل" عندما قطع زيارته للدنمارك بعد الهجوم الإيراني على "إسرائيل" في نيسان/ أبريل 2024 رداً على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، ثم قام الرئيس ميلي بعقد لجنة خاصة وبحضور السفير الإسرائيلي في الأرجنتين، وبدأ وزير أمنه في انتقاد مواقف دول أخرى في الجماعة اللاتينية مثل بوليفيا والتشيلي واصفاً إياها بأنها "بؤر إسلامية" وأنها تستضيف عناصر من حزب الله، ومنتقداً الاتفاقية الدفاعية التي عقدتها إيران مع بوليفيا في تموز/ يوليو 2023. ج. أيديولوجية خافيير الاقتصادية، وهو أستاذ اقتصاد جامعي، التي تقوم على مبادئ أقصى اليمين ومعاداة البيرونية Peronism ذات النزعة اليسارية في الأرجنتين، وهو ما جعله الأكثر سعياً لتوطيد العلاقة مع الولايات المتحدة وبالتالي "إسرائيل". د. يلاحظ أن العلاقات التجارية بين "إسرائيل" والأرجنتين تتصاعد بشكل ملحوظ، فالصادرات الإسرائيلية للأرجنتين ارتفعت منذ سنة 2017 إلى نهاية سنة 2022 بمعدل إجمالي يصل إلى 2% سنوياً، وبلغت سنة 2022 نحو 156 مليون دولاراً، كما تزايدت الصادرات الأرجنتينية إلى "إسرائيل" بمعدل سنوي يصل إلى 25.2% ليصل سنة 2022 إلى 200 مليون دولار.
تُشير الدراسات الكمية الخاصة بحصول المجتمعات على المعلومات والبيانات من مختلف المصادر إلى أن دول أمريكا اللاتينية تقف على رأس أقاليم العالم في الاعتماد على وسائط التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومات والتشارك فيها، وهو ما أثّر على صورة "إسرائيل" لدى الرأي العام في هذا الإقليم.[15] وتدل استطلاعات الرأي العام في أمريكا اللاتينية أن درجة الرضا في دول جماعة سيلاك عن أداء الرئيس الأمريكي جو بايدن Joe Biden في حرب غزة متواضع، فطبقاً لعيّنة في ست دول كبرى من أمريكا اللاتينية دلّت النتائج على ما يلي:[16]
والملاحظ، أن معدل الرضا في الدول الست عن سياسة بايدن تجاه الطوفان هو نحو 26%، وهي نسبة متدنية، بينما يُشير الاستطلاع ذاته إلى أن معدل المعارضة لها في هذه الدول هو أكثر من ضعف المؤيدين، حيث يصل المعدل إلى نحو 57%. من جانب آخر، عبّرت شعوب دول جماعة سيلاك عن تضامنها مع فلسطين بعد الطوفان، وبرز ذلك في المظاهرات التي شارك في بعضها رؤساء سابقون وهيئات المجتمع المدني إلى جانب القطاعات الشعبية والاتحادات الكروية والفنانين والجامعات، خصوصاً في كل من البرازيل، وفنزويلا، وبوليفيا، والمكسيك، وأورغواي، والبيرو، والأرجنتين…إلخ.
يمكن اعتبار "عدم استقرار" التوجهات السياسية تجاه القضايا الدولية سمة أساسية في إجمالي سياسات دول الجماعة اللاتينية، ويعود ذلك إلى عدم استقرار النظم السياسية والتحولات التي تترتب على ذلك. وعند تتبع مواقف دول أمريكا اللاتينية من الصراع العربي الإسرائيلي، تبدو أربعة عوامل هي الأكثر تحديداً لطبيعة هذه العلاقة:[17] 1. التغير في النظم السياسية بين تيارات يسارية ويمينية؛ سواء نتيجة انقلابات أم عبر انتخابات رئاسية، والملاحظ أن هذه الدول تقع في معظمها ضمن مجموعة الدول "غير المستقرة" وخصوصاً الدول الأكبر في هذه المجموعة، البرازيل والمكسيك والأرجنتين وكولومبيا، وهو ما ينعكس على مواقف هذه الدول من الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تميل أغلب النظم اليسارية نحو تأييد فلسطين خلافاً لخصومهم من اليمينيين الذين يساندون "إسرائيل". 2. تؤثر المواقف الأمريكية بشكل واضح على مواقف هذه الدول من “إسرائيل”، فتحاول بعض هذه الدول مجاراة الموقف الأمريكي والاستجابة له خوفاً من الضغوط الأمريكية، وهو الأمر الذي بدأ منذ مبدأ مونرو Monroe Doctrine في السياسة الخارجية الأمريكية سنة 1823. 3. تزايد التحول بين المسيحيين الكاثوليك باتجاه الإنجليكانية الأقرب في توجهاتها الدينية إلى الموقف الإسرائيلي. 4. التغلغل الإسرائيلي خصوصاً في الجانب التكنولوجي في الاقتصاد الأمريكي اللاتيني، ففي الدول الأمريكية اللاتينية الأكبر، البرازيل والمكسيك والأرجنتين وكولومبيا، هناك أكثر من 450 شركة إسرائيلية تعمل في هذا القطاع. إن المعطيات التي تناولناها تستوجب من قوى المقاومة التنبه لأهمية هذه المنطقة؛ من حيث: 1. بالرغم من وجود انقسام واضح بين دول أمريكا اللاتينية في التفاعل مع طوفان الأقصى وتداعياته، إلا أن الكفة راجحة بقدر لا بأس به لصالح أنصار المقاومة بفعل تنامي النزعة اليسارية في هذا الإقليم خصوصاً في دوله الكبرى، وقد جرت تظاهرات في هذه المنطقة؛ في البرازيل، وبوليفيا، وفنزويلا، وكوبا، والبيرو، والتشيلي تأييداً لفلسطين. 2. لعل قطع العلاقات مع "إسرائيل"، أو استدعاء السفراء منها، أو الانضمام إلى الدعاوى ضدّها في كل من محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية من قبل دول الجماعة الأمريكية اللاتينية هو الأكثر وضوحاً وأهمية من حيث دلالاته السياسية، وهو الأمر الذي يقتضي المتابعة وتزويد هذه الدول بالمعلومات وبكل ما يعزز هذا التوجه. 3. إن توجهات الرأي العام في هذه الدول، على الرغم من النزعة الإنجليكانية فيها، يُشير إلى تعاطف واضح مع المعاناة الفلسطينية يفوق بأكثر من الضعف لدرجة التعاطف مع "إسرائيل"، وهو ما تعكسه نتائج الاستطلاعات للموقف من سياسات الرئيس بايدن المنحاز لـ "إسرائيل"، مما يستدعي التواصل مع القوى اليسارية في هذه المنطقة من منطلق التلاقي في النزعة التحررية. 4. عند المقارنة بين حجم التجارة الأمريكية اللاتينية مع "إسرائيل"، 6 مليار دولار سنة 2022، وبين حجم التجارة العربية مع هذا الإقليم يتبيّن أن حجم التجارة الخليجية وحدها تعادل أكثر من ثلاثة أضعاف التجارة مع "إسرائيل"، ولكن الوزن السياسي لهذه العلاقات التجارية مع العالم العربي ما زال متواضعاً.[18] 5. من الضروري إيلاء أربع دول من دول الجماعة اللاتينية الاهتمام الأكبر في الديبلوماسية العربية والفلسطينية، وهي البرازيل والمكسيك والأرجنتين وكولومبيا، نظراً لثقلهم السياسي والاقتصادي والسكاني في هذا التنظيم الدولي.
[1] خبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية، أستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك في الأردن سابقاً، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وهو عضو سابق في مجلس أمناء جامعة الزيتونة في الأردن، وجامعة إربد الأهلية، والمركز الوطني لحقوق الإنسان وديوان المظالم، والمجلس الأعلى للإعلام. ألَّف 37 كتاباً، يتركز معظمها في الدراسات المستقبلية من الناحيتين النظرية والتطبيقية، ونُشر له نحو 120 بحثاً في المجلات العلمية المحكّمة.
First published in :
خبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية، أستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك في الأردن سابقاً، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وهو عضو سابق في مجلس أمناء جامعة الزيتونة في الأردن، وجامعة إربد الأهلية، والمركز الوطني لحقوق الإنسان وديوان المظالم، والمجلس الأعلى للإعلام. عمل في عدد من الجامعات العربية، وشغل منصب رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك بالأردن، كما عمل مستشاراً للمجلس الأعلى للإعلام في الأردن، ومستشاراً لدى ديوان المظالم الأردني. ألَّف 37 كتاباً، يتركز معظمها في الدراسات المستقبلية من الناحيتين النظرية والتطبيقية، ومن أبرزها: الدراسات المستقبلية في العلاقات الدولية، والدراسات المستقبلية في العلوم السياسية، ومناهج الدراسات المستقبلية وتطبيقاتها في الوطن العربي، والمكانة المستقبلية للصين على سلّم القوى الدولي 1978–2010، وإيران: مستقبل المكانة الإقليمية 2020 (2010). كما قام بترجمة عدد من الكتب والدراسات من اللغة الإنجليزية، ونشر له نحو 120 بحثاً في المجلات العلمية المُحكّمة. باحث متعاون بشكل دائم مع مركز الزيتونة، حيث يتولى بشكل ثابت كتابة فصل "القضية الفلسطينية والوضع الدولي" في التقرير الاستراتيجي الفلسطيني الصادر عن المركز خلال الفترة 2006–2021 (11 مجلد). كما يشارك في العديد من فعاليات المركز من خلال تقديم أوراق في مؤتمراته، ومن خلال الدورات التدريبية، وكتابة التقديرات الاستراتيجية.
Unlock articles by signing up or logging in.
Become a member for unrestricted reading!