Subscribe to our weekly newsletters for free

Subscribe to an email

If you want to subscribe to World & New World Newsletter, please enter
your e-mail

Diplomacy

دور الصين في الصراع في غزة: قيادة الجنوب العالمي والتنافس مع الولايات المتحدة

سفينة ورقية تحمل أعلام الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا وأستراليا واليابان والاتحاد الأوروبي والصين مفهوم العلاقات بين الدول واتفاقية التجارة الحرة

Image Source : Shutterstock

by نادية حلمي

First Published in: Jan.13,2025

Jan.13, 2025

تسعى الصين من خلال موقفها الرسمي والشعبي الأخير تجاه حرب غزة إلى تحديد موقفها كقائد ومدافع عما يسمى "الجنوب العالمي" لتمرير سياسة التحول نحو عالم دولي متعدد الأقطاب في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب. وتغتنم الصين الفرصة للتعبير عن الحاجة الملحة لإعادة تشكيل النظام العالمي الذي يقوده الغرب بقيادة واشنطن. وهنا ترى كل من موسكو وبكين أن حرب إسرائيل على قطاع غزة أدت إلى توجيه جهود الدعم العسكري الغربي من أوكرانيا في مواجهة روسيا، حليفة بكين الوثيقة، إلى إسرائيل، بينما تنظر الصين إلى الحرب من منظور مواجهتها لأمريكا. في الوقت الذي تحاول فيه الصين التعبير عن الرأي العام العالمي والشعبي بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كجزء من استراتيجية صينية أوسع نطاقا تهدف إلى كسب دعم دول الجنوب العالمي إلى جانبها. تعمل كل من روسيا والصين على الاستفادة من الحرب في غزة، من خلال تعزيز أدوارهما كداعمين لدول الجنوب العالمي، وإظهار فشل وانحياز الولايات المتحدة والنظام الدولي الذي تقوده واشنطن في التعامل مع مظالم تلك الكتلة الكبيرة من دول العالم في الجنوب. وهذا يخدم أيضا تحقيق رؤية الرئيس الصيني شي جين بينغ للزعامة الصينية للجنوب العالمي، الذي يضم غالبية الدول العربية وفلسطين، مما يعزز جهود بكين لمواجهة واشنطن وحلفائها الغربيين وإعادة تشكيل النظام الدولي لصالحها. وقد استغلت الصين المشاعر المعادية لإسرائيل عالميا وفي الداخل، في محاولة لتعزيز مكانتها في إطار الجنوب العالمي. وفي إطار جهودها المضنية للتعبير عن الرأي العام العالمي ومشاعر الشعوب، تسعى الصين إلى تنفيذ خطط عديدة ومتنوعة لدعم قضايا الجنوب العالمي النامي، وأبرزها القضية الفلسطينية، وفضح ما تعتبره الصين ازدواجية معايير أميركية في التعامل مع الفلسطينيين مقارنة بإسرائيل. ويأتي تولي الصين رئاسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 مباشرة بعد عملية "طوفان الأقصى" أو حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، خلفا للبرازيل، وتزامنا مع تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية الوحشية في غزة. ولهذا السبب، خاطرت الصين بإغضاب إسرائيل، فهي ترى في الصراع الحالي مخاطر أوسع نطاقا تتجاوز القضية الفلسطينية الإسرائيلية. وترى بكين في الأزمة فرصة لتمييز موقفها عن الغرب المؤيد لإسرائيل وتعزيز سمعتها في الجنوب العالمي، الذي تتعاطف العديد من دوله بقوة مع القضية الفلسطينية، وهو ما يخدم صورة الصين. ولتحقيق هذه الغاية، استخدمت الصين خطابا دبلوماسيا صارما ضد الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، وأدانت الموقف الأميركي، وخاصة العراقيل التي خلقتها الولايات المتحدة بالتصويت ضد سلسلة من القرارات الصينية والروسية لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، دعمت الصين قرارات مختلفة لمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لإدانة إسرائيل واعتقال رئيس وزرائها "بنيامين نتنياهو". استخدمت الصين حق النقض ضد مشروع قرار اقترحته الولايات المتحدة الأميركية في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي لم يتضمن دعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، أو هدنة إنسانية دائمة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وبرر المندوب الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة "تشانغ جون" معارضة بلاده لمشروع القرار الأميركي، لأنه يتضمن العديد من العناصر التي تفرق بدلا من أن توحد، ويتجاوز البعد الإنساني، وغير متوازن ويخلط بين الحق والباطل، ولا يعكس دعوة قوية لوقف إطلاق النار وإنهاء العنف. واعتبر المندوب الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة "جون" أن وقف إطلاق النار ليس مجرد عبارة دبلوماسية، بل يعني حياة أو موت لكثير من المدنيين، وهو ما لم تفهمه واشنطن، حسب قوله. كما شاركت الصين في (قمة القاهرة للسلام 2023)، التي عقدت في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في العاصمة الإدارية الجديدة، بدعوة الصين خلال القمة إلى وقف الحرب في غزة. وقد يكون دافع الصين للاهتمام بالقضية الفلسطينية بعد حرب غزة الأخيرة مرتبطا أكثر بمنافستها مع الولايات المتحدة والصورة التي تريد الصين إبرازها محليا وحتى دوليا على ضوء موقعها الجديد كقوة عالمية كبرى. وتريد الصين أن يُنظر إليها كقوة عظمى حكيمة ومسؤولة مهتمة بالوساطة وبناء السلام. ومن المرجح أيضا أن تسعى بكين إلى تقديم وجهة نظر بديلة لوجهة نظر الولايات المتحدة بشأن السلام للنظام العالمي، وخاصة في الجنوب العالمي، حيث تدعم أغلب دول المنطقة الفلسطينيين. لقد قطعت بكين بالفعل شوطا طويلا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، من دعمها النشط للفصائل الفلسطينية مؤخرا إلى دعوتها للصين بعد حرب غزة الأخيرة لاستكمال عملية المصالحة الفلسطينية بين كافة الفصائل الفلسطينية المتحاربة بدعم صيني. ومنذ بداية الحرب في قطاع غزة، حملت المواقف الصينية وتصريحات المسؤولين في بكين درجة من التصعيد في لهجتها تجاه سلوك إسرائيل. فقد انتقدت بكين القصف الإسرائيلي الشامل للمدنيين، وأدانت انتهاكات القانون الدولي، ودعت إلى تنفيذ حل الدولتين، ودعت إلى إنشاء ممر إنساني للسماح للمساعدات بالدخول إلى قطاع غزة المحاصر. وذهب وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" إلى أبعد من ذلك، بوصفه القصف الإسرائيلي للمدنيين في غزة بأنه عمل يتجاوز نطاق الدفاع عن النفس. كما انتقدت وسائل الإعلام الرسمية الصينية إسرائيل بشدة، واستشهدت في معظم تقاريرها بوسائل الإعلام الإيرانية، مع التأكيد الصيني على أن: "الاستخدام غير القانوني لقنابل الفوسفور الأبيض من قبل الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين يعرضه للمساءلة الدولية". كما ألقت وسائل الإعلام الرسمية الصينية باللوم على الولايات المتحدة، أقوى داعم لإسرائيل، واتهمت صراحة في بكين، بتأجيج التوترات في المنطقة. كما أغضبت الصين إسرائيل برفضها الانضمام إلى الولايات المتحدة ودول أخرى في تصنيف حماس كمنظمة إرهابية، ووصفتها بدلا من ذلك بأنها حركة مقاومة فلسطينية. في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2024، مباشرة بعد حرب غزة، أعلنت China Daily، وهي وسيلة دعائية صينية، أن: "الولايات المتحدة على الجانب الخطأ من التاريخ في غزة". وفي مكان آخر، ذكر التليفزيون الرسمي الصيني أن اليهود يمثلون 3% من سكان الولايات المتحدة لكنهم يسيطرون على أكثر من 70% من ثرواتها. مع حرص جميع وسائل الإعلام الصينية الرسمية والشعبية على تكرار الروايات التي تهيمن على الخطاب الشعبي في الجنوب العالمي. وهذا التكرار يتماشى مع الرأي السائد في بعض دول الجنوب، ويسمح للصين بتقديم نفسها كبديل لصورة الولايات المتحدة الأميركية كدولة داعية للحرب مهيمنة ومنافقة وغير عادلة. في يوليو/تموز 2024، وقعت حماس وفتح وفصائل فلسطينية أخرى اتفاقا أوليا في العاصمة الصينية بكين لتشكيل حكومة انتقالية للمصالحة الوطنية، بهدف إدارة غزة بعد انتهاء الحرب. والتقت المجموعة ذاتها في العاصمة الروسية موسكو في فبراير/شباط 2024، سعيا للتوصل إلى اتفاق مماثل. وفي نفس الوقت، تمكنت الصين من جمع حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين على طاولة المفاوضات في بكين في دورتين من الحوار الوطني خلال شهري أبريل/نيسان ويونيو/حزيران 2024، في خطوة تعكس رغبة الصين في التفاعل مع القضية الفلسطينية بشكل إيجابي. وتحاول وسائل الإعلام الرسمية الصينية دعم موقفها أمام الرأي العام الصيني في الداخل وتعاطفه مع أهل غزة، من خلال التأكيد على الخطاب الرسمي الصيني، الذي يسعى إلى التأكيد على أن بكين قدمت مقترحات لوقف الحرب على غزة، وجمعت بين الحركتين الفلسطينيتين حماس وفتح داخل الصين، ودعت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى تهدئة الصراع. كما اغتنمت الصين فرصة اجتماعاتها مع وزراء خارجية الدول العربية والخليجية لإعادة تأكيد خطط السلام المتعددة التي اقترحتها سابقا لصالح حل القضية الفلسطينية. حيث أكد المبعوث الصيني إلى الشرق الأوسط "تشاي جون"، مع مسؤولين فلسطينيين وعرب، دعوة الصين الفورية لوقف إطلاق النار الفوري وتقديم الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني. أما أبرز التحليلات الأكاديمية والبحثية الصينية لحرب غزة، فقد وصف البروفيسور الصيني "يان شوتونغ"، عميد معهد العلاقات الدولية بجامعة شينهوا الصينية، الأمر على النحو التالي: "إن حرب إسرائيل وغزة ستقلل من النفوذ السياسي العالمي للولايات المتحدة. لقد أصبح هذا واضحا جدا، لأنه حتى حلفائها سيضطرون إلى النأي بأنفسهم عنها في هذه القضية، ومع تقويض العلاقات الاستراتيجية للولايات المتحدة مع القوى الكبرى الأخرى، فإن التوازن الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة سوف يتحول لصالح الصين". كما قال البروفيسور "وانغ ييوي"، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين في بكين: "إن الصين الآن في وضع أفضل من الولايات المتحدة للمساعدة في حل الصراعات، سواء بين المملكة العربية السعودية وإيران، أو روسيا وأوكرانيا، أو إسرائيل والفلسطينيين". وفي هذا السياق، يؤكد البروفيسور شي ين هونغ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين الصينية أن: "سياسة بكين في الشرق الأوسط أصبحت مشلولة بسبب الصراع، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة، التي تدعم إسرائيل بقوة، متورطة في هذه الأزمة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. من الذي سيستمع إلى الصين؟". وقد وصف تقرير لـ (منظمة حقوق الإنسان العالمية فريدوم هاوس) موجة من المشاعر المعادية للسامية على شبكة الإنترنت الصينية ووسائل الإعلام الصينية، وخاصة تلك الشعبية المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي الصينية، مثل: برنامج WeChat الصيني واسع الاستخدام، وWeibo، وQQ، وغيرها. وأكد تقرير فريدوم هاوس أن: "الحكومة الصينية روجت منذ فترة طويلة لرواية تضع اللوم بالكامل على إسرائيل فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني". وفي ضوء التعاطف الشعبي الصيني المتنامي عالميا وداخليا مع الفلسطينيين، وانتشار مظاهره بشكل غير مسبوق داخل المجتمع الصيني عبر وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، وإقامة مظاهرات محدودة في ضوء السياسة الداخلية الصينية الحساسة تجاه المظاهرات الشعبية، يجد صناع القرار في بكين أنفسهم أمام تحدي الحفاظ على موقف متوازن بين الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد المدنيين في قطاع غزة، وموقف الفلسطينيين في القطاع. وبصفتي خبيرة في السياسة الصينية وسياسات الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، ومطلعة باستمرار على كل تقارير مراكز الفكر والأبحاث الصينية، وخاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط، من الملاحظ أن عددا من التحليلات الصينية تتبنى اتجاها ورؤية، وربما نظرية أو مدرسة أخرى للحرب في غزة، وهي "نظرية الحرب بين الحروب"، التي تبين فيما بعد إلى حد كبير صحتها، أي: أن الحرب التي اقتصرت على حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل، وممارسات إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة، ستتوسع لتشمل صراعا بين إسرائيل وإيران، ولكن من خلال وكلائها في المنطقة، مما يعني شن حروب على جبهات مختلفة في نفس الوقت، وهي حرب إسرائيل ضد حماس، واستهداف عناصر المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، ومواجهة حزب الله على الجبهة الجنوبية اللبنانية، ومواجهة تهديدات ميليشيا الحوثيين في اليمن، وقتال الميليشيات الشيعية في سوريا والعراق، وشن مواجهات ضد إيران التي تقود محور المقاومة. ولتحقيق هذه الغاية، اغتنمت الصين فرصة انعقاد الدورة الـ 10 لمنتدى التعاون الصيني العربي، في 30 مايو/أيار 2024، بمشاركة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" وعدد من القادة العرب، وأبرزهم الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، لتعكس الرغبة المشتركة في مناقشة جوانب العلاقات الصينية العربية وسبل تعزيزها، وتعميق التوافق بين الصين والدول العربية، وطرح تساؤلات حول موقف غزة في المناقشات الصينية العربية، وحدود دور الصين في المساعدة على وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، ودعم العودة إلى مسار التسوية السياسية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، مما يؤدي إلى حل الدولتين الذي تدعمه القوى الكبرى، وأبرزها الصين. وهنا تبنت القمة العربية، التي عقدت في العاصمة البحرينية المنامة، في 16 مايو/أيار 2024، ضرورة الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام يسهم في استعادة المسار التفاوضي. وتتقاطع هذه الدعوة مع دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ لعقد مؤتمر دولي للسلام خلال منتدى التعاون العربي الصيني، حيث أكد في كلمته أمام المنتدى في 30 مايو/أيار 2024، أن بكين تريد تعزيز علاقاتها مع الدول العربية لتكون نموذجا للاستقرار العالمي، داعيا إلى عقد مؤتمر دولي للسلام يهدف إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس، مشيرا إلى أن بكين مستعدة للعمل مع الدول العربية لحل القضايا المتعلقة بالبؤر المتأججة بطرق تدعم مبادئ الإنصاف والعدالة وتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل. وأكد شي جين بينغ أن الحرب لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، والعدالة لا يمكن أن تظل غائبة إلى الأبد، ولا يمكن إسقاط حل الدولتين بشكل تعسفي. وبناء على التحليل السابق نصل إلى نتيجة مفادها أن التوجه الصيني نحو التفاعل مع قضايا الشرق الأوسط وحرب غزة الأخيرة يمثل أحد ركائز تصعيد الدور الصيني على المستوى العالمي وبين الدول النامية في الجنوب العالمي بقيادة الصين. وتزامن هذا التوجه مع رؤية الولايات المتحدة الأميركية في الحد من ارتباطاتها بتفاعلات الشرق الأوسط بسبب تكلفتها المرتفعة، والتوجه شرقا لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي في آسيا.

First published in :

World & New World Journal

저자이미지

نادية حلمي

د. نادية حلمي خبيرة مصرية في الشؤون السياسية الصينية والآسيوية - أستاذة العلوم السياسية بجامعة بني سويف.

Thanks for Reading the Journal

Unlock articles by signing up or logging in.

Become a member for unrestricted reading!