Defense & Security
من صنعاء إلى طهران: هل ستؤدي الضربات الأمريكية للحوثيين إلى مواجهة مع إيران؟

Image Source : Shutterstock
Subscribe to our weekly newsletters for free
If you want to subscribe to World & New World Newsletter, please enter
your e-mail
Defense & Security
Image Source : Shutterstock
First Published in: Mar.23,2025
Apr.14, 2025
أعلنت جماعة أنصار الله "الحوثيون" استئناف حظرها على السفن الإسرائيلية المارة عبر مضيق باب المندب، في يوم الثلاثاء 11 مارس/آذار 2025، وذلك بعد انتهاء المهلة التي منحتها لإسرائيل للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. جاء ذلك في كلمة مسجلة للمتحدث العسكري باسم الجماعة، يحيى سريع، نُشرت على حسابه على منصة X، حيث أعلن أن قواتها "تؤكد استئناف حظر جميع السفن الإسرائيلية في مناطق العمليات المحددة في البحر الأحمر وبحر العرب وباب المندب وخليج عدن، وذلك بعد انتهاء المهلة التي منحها زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، للوسطاء للضغط على العدو الإسرائيلي لإعادة فتح المعابر والسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة". ردا على ذلك، تعهد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، في يوم الأحد 16 مارس/آذار 2025، بأن الولايات المتحدة ستشن ضربات "متواصلة" ضد الحوثيين في اليمن حتى توقف الجماعة عملياتها العسكرية التي تستهدف الأصول الأمريكية وطرق الشحن العالمية. وفي هذا السياق، أفادت وسائل إعلام تابعة للحوثيين، في يوم الأحد 16 مارس/آذار 2024، بأن حوالي 40 غارة جوية أمريكية على العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى صعدة والبيضاء، أسفرت عن حصيلة أولية بلغت 32 قتيلا وأكثر من 100 جريح. وتحدث هذه العمليات في خضم تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران، وتشير إلى أن الضربات الأمريكية تركز على الردع التكتيكي للحوثيين، مما يجعلها جزءا من استراتيجية أمريكية أوسع نطاقا تهدف إلى احتواء النفوذ الإيراني. ويتزامن هذا التصعيد مع انهيار اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة، مما يعزز احتمالية توجه المنطقة نحو مرحلة جديدة من المواجهات العسكرية المتشابكة. تتناول هذه الورقة البحثية الأهداف والرسائل الكامنة في هذه الحملة العسكرية، مع التركيز على احتمالات استمرار التصعيد بين الولايات المتحدة والحوثيين وإمكانية امتداده إلى مواجهة مباشرة مع إيران. كما تسعى إلى الإجابة على سؤال جوهري: هل ستنجح واشنطن في ردع الحوثيين من خلال هذه العمليات، أم ستؤدي هذه الاستراتيجية إلى تصعيد أكبر قد يشمل مواجهة أوسع نطاقا مع إيران؟ يكتسب هذا الأمر أهمية خاصة في ظل المؤشرات المتزايدة على أن إسرائيل تكثف ضغوطها على الولايات المتحدة لدفعها نحو صراع مباشر مع طهران. وفي خضم تعقيدات المشهد الإقليمي، تتناول الورقة البحثية الأبعاد الاستراتيجية لهذه العمليات، بما في ذلك الرسائل الأمريكية الموجهة لإيران، وجهود إسرائيل لتوسيع نطاق المواجهة، ودور الحلفاء الدوليين في تشكيل مسارات التصعيد. كما تستكشف السيناريوهات المحتملة للتطورات المستقبلية، بدءا من استمرار الضربات المحدودة إلى احتمال اندلاع مواجهة إقليمية واسعة النطاق. من هذا المنظور، تُسلّط الورقة البحثية الضوء على الرسائل الأمريكية الرئيسية والأهداف الكامنة وراء هذه الحملة العسكرية، والتي ينبغي أخذها في الاعتبار عند مناقشة الأهداف الرئيسية لهذه الحملة في هذا المنعطف الحرج. ويمكن تفسيرها على النحو التالي: الرسائل الأمريكية: خلال ولايته الأولى، تبنى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسة "الضغط الأقصى" على إيران، والتي تجلت في فرض مجموعة واسعة من العقوبات الاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني، إلى جانب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو/أيار 2018. واستمرارا لهذا النهج، أعاد ترامب تأكيد موقفه المتشدد من البرنامج النووي الإيراني حتى قبل توليه منصبه رسميا في يناير/كانون الثاني 2025. ومنذ إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية في يوليو/تموز 2024، شدد على ضرورة إبرام "اتفاق نووي جديد" مع إيران. وفي 26 سبتمبر/أيلول 2024، صرح قائلا: "يجب أن نتوصل إلى اتفاقية، لأن العواقب مستحيلة. يجب أن نتوصل إلى اتفاقية". في إطار تصعيده تجاه طهران، وقع ترامب، فور توليه منصبه، مذكرة رئاسية في 5 فبراير/شباط 2025، أعاد بموجبها تطبيق سياسة الضغط الأقصى على الحكومة الإيرانية، بهدف عرقلة طهران من الحصول على سلاح نووي ومواجهة نفوذها المزعزع للاستقرار في الخارج، وفقا لبيان صادر عن البيت الأبيض آنذاك. وفي تصعيد إضافي ضد ما يُعرف بـ "وكلاء" إيران في المنطقة، شنت الولايات المتحدة غارات جوية واسعة النطاق على الحوثيين في اليمن. وأعلن البنتاغون أنه منذ يوم السبت 15 مارس/آذار 2025، استهدف 30 موقعا للحوثيين في أكبر عملية عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض. لا يمكن النظر إلى هذه الحملة العسكرية المستمرة بمعزل عن النهج الأمريكي الأوسع تجاه إيران، والذي يتميز بعقوبات اقتصادية صارمة وتصريحات رسمية حازمة تؤكد تصميم واشنطن على ممارسة أقصى ضغط على طهران. تعد هذه الضربات العسكرية جزءا من استراتيجية أمريكية أوسع تهدف إلى إيصال رسائل واضحة ومباشرة إلى إيران: مفادها أن الولايات المتحدة ليست قادرة على مواجهة أي تهديد إيراني فحسب، لكنها أيضا حازمة في الدفاع عن مصالحها وحلفائها في المنطقة. وتأكيدا على هذا الموقف، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 17 مارس/آذار 2025 أن إيران ستتحمل المسؤولية عن أي هجمات مستقبلية ينفذها الحوثيون، في إشارة واضحة إلى أن إدارة ترامب قد تأخذ في الاعتبار توجيه ضربات مباشرة ضد إيران إذا استمر الحوثيون في استهداف المصالح الأمريكية - وخاصة إذا ظهرت أدلة على دعم عسكري أو استخباراتي من طهران. يكشف هذا البيان عن احتمال توجيه ضربات عسكرية أمريكية ضد أهداف إيرانية أو جماعات تابعة لإيران في المنطقة كجزء من استراتيجية تصعيدية تهدف إلى ردع طهران - ليس فقط ردا على دعمها المسلح المثبت للحوثيين في المستقبل، بل أيضا فيما يتعلق ببرنامجها النووي. يأتي هذا في سياق تهديدات ترامب قبل شن الحملة العسكرية ضد الحوثيين. في 13 مارس/آذار 2025، وجّهت واشنطن رسالة رسمية إلى إيران، تُخيّرها بين التفاوض على اتفاقية جديدة أو مواجهة عمل عسكري مباشر. إلا أن طهران رفضت المفاوضات تحت التهديد، مما زاد من احتمالية التصعيد في الفترة المقبلة. جهود إسرائيل لفتح جبهة إيران؛ تعد الضربات الأمريكية الأخيرة على الحوثيين في اليمن جزءا من مواجهة عسكرية متصاعدة في الشرق الأوسط، بالتزامن مع محاولات إسرائيلية لجر الولايات المتحدة إلى صراع أوسع مع إيران. منذ اندلاع حرب إسرائيل على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، دأبت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على دفع واشنطن نحو موقف أكثر عدوانية ضد إيران. وقد أبرزت صحيفة واشنطن بوست هذا الأمر في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2025، مشيرة إلى استعداد إسرائيل لشن ضربات عسكرية ضد أهداف إيرانية، مما يستلزم دعما ومساندة من الولايات المتحدة. وتسعى إسرائيل إلى توسيع نطاق الصراع الإقليمي من خلال حث واشنطن على الرد عسكريا على تهديدات الحوثيين في أعقاب حرب غزة. ويبدو أن تل أبيب تحاول استدراج الولايات المتحدة إلى تصعيد التوترات مع إيران، لا سيما بالنظر إلى دعم طهران اللوجستي والعسكري للحوثيين. وبالتالي، فإن استهداف الجماعة قد يكون بمثابة خطوة تمهيدية نحو توسيع العمليات العسكرية لتشمل أهدافا إيرانية مباشرة، مما يزيد من احتمالية التصعيد مع إيران. تراهن إسرائيل على التصعيد، مع تزايد الشكوك حول نوايا نتنياهو في توسيع نطاق الحرب مع إيران باستغلال الصراعات المستمرة في غزة واليمن. وترى إسرائيل أن استمرار الضغط العسكري على طهران ووكلائها وسيلة لإضعاف موقف إيران الإقليمي، وربما دفع الولايات المتحدة نحو خطوات أكثر تصادمية. يأتي هذا في وقت يتضاءل فيه نفوذ الفصائل المتحالفة مع إيران - خاصة في سوريا، حيث انهار نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وفي لبنان، عقب الضربات الإسرائيلية المكثفة على حزب الله، والتي أسفرت عن مقتل معظم قياداته العليا، بما في ذلك الأمين العام حسن نصر الله. لذلك، فإن استهداف الحوثيين يحمل رسالة مباشرة إلى طهران: واشنطن مستعدة لتوسيع عملياتها ضد التهديدات الإقليمية، مما قد يثير ردود فعل تصعيدية من إيران. ويتماشى هذا السيناريو مع أهداف إسرائيل في تعزيز موقفها ضد إيران. منذ اتفاقية وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة في يناير/كانون الثاني 2025، تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الاتفاق تحت وطأة انتقادات شديدة من فصائل اليمين المتطرف في إسرائيل. في هذا السياق، استأنفت إسرائيل ووسعت نطاق هجماتها على غزة. في يوم الثلاثاء، 18 مارس/آذار 2025، أعلن مكتب نتنياهو أن القوات الإسرائيلية استهدفت مواقع لحماس في أنحاء قطاع غزة. تعد هذه الخطوة جزءا من سياسة تصعيدية تهدف إلى إبقاء الحرب مستمرة ومنع أي هدنة طويلة الأمد، حيث تعتبر إسرائيل استمرار العمليات العسكرية ضروريا لفرض شروطها السياسية والأمنية. فضلا عن ذلك، تسعى إسرائيل إلى تحويل المواجهة إلى جبهات أوسع. يوسع الجيش الإسرائيلي وجوده في سوريا، ويواصل غاراته الجوية ضد أهداف إيرانية وميليشيات تابعة لها، مع الحفاظ على وجوده العسكري في جنوب لبنان رغم اتفاقية وقف إطلاق النار مع حزب الله في نوفمبر/تشرين الثاني 2024. يشير هذا إلى أن تل أبيب لا تكثف عملياتها العسكرية في غزة فحسب، بل تدفع أيضا نحو تصعيد أكبر ضد إيران، الداعم الرئيسي لحزب الله والفصائل الفلسطينية المسلحة. يعكس هذا نية إسرائيل إبقاء التوترات الإقليمية مرتفعة وإعادة صياغة قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط. في ضوء ذلك، من المتوقع أن تتعاون إسرائيل مع الولايات المتحدة في تنفيذ ضربات دقيقة ضد الحوثيين في اليمن في المستقبل القريب، وكذلك في عمليات اغتيال محتملة تستهدف قادة الحوثيين. بالإضافة إلى ذلك، قد تشارك في عمليات عسكرية ضد مواقع نووية وعسكرية داخل إيران، مما قد يؤدي إلى رد إيراني انتقامي وزيادة التوترات الإقليمية. من شأن هذا التصعيد أن يعمل على استرضاء فصائل اليمين المتطرف في إسرائيل والائتلاف الحاكم، الذي هدد مرارا بالانسحاب من الحكومة وإسقاط نتنياهو بسبب تعامله مع غزة وإيران.
قد تدفع الضربات الأمريكية الحوثيين إلى تكثيف هجماتهم، لا سيما بالتوازي مع تصعيد إسرائيل للغارات الجوية على غزة في الوقت الراهن. في خطابه الأخير، ربط زعيم أنصار الله وقف الهجمات على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر بدخول المساعدات إلى غزة، وهو أمر غير متوقع في هذه المرحلة "رغم دعوة الوسطاء للعودة إلى المفاوضات"، نظرا لاستئناف إسرائيل الحرب على غزة بالتزامن مع الحملة العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن. وقد يستدعي هذا تصعيدا أمريكيا إضافيا، لا سيما بعد أن حمّل ترامب إيران مسؤولية أي هجمات حوثية مستقبلية. في 16 مارس/آذار 2025، تعهد قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، بالرد على أي هجوم، عقب تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لطهران بشأن غارات واشنطن على الحوثيين في اليمن. وفي تصريحات بثها تلفزيون الدولة، قال سلامي: "إيران لن تبدأ حربا، ولكن إذا هددها أحد، فسنرد بشكل مناسب وحاسم وحازم". يعكس هذا التصريح سياسة الردع الإيرانية، مع إبقاء الباب مفتوحا أمام تصعيد محتمل إذا قررت واشنطن مهاجمة إيران باستهداف مواقع إيرانية مباشرة. يحمل تصريح حسين سلامي رسالة مزدوجة: إذ تؤكد طهران أنها لا تسعى للحرب، لكنها في الوقت نفسه تُلوّح برد قوي إذا واجهت أي تهديد مباشر. تستهدف هذه الرسالة الولايات المتحدة بشكل أولى، وتعمل كوسيلة لردع أي إجراءات تصعيدية إسرائيلية أخرى بشأن الملف النووي الإيراني. ويهدف تصريح سلامي أيضا إلى الاعتماد على خطاب تصعيدي لتعزيز صورته محليا، لا سيما في خضم الضغوط الاقتصادية والعسكرية المستمرة على إيران. كما تسعى هذه التصريحات إلى طمأنة الرأي العام الإيراني بأن النظام لا يزال قويا وقادرا على الدفاع عن مصالحه في مواجهة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. ورغم تصريحات إيران التي تؤكد أنها لا تسعى للحرب، إلا أنها تتبنى في الوقت نفسه نهج "الردع المرن"، تاركة الباب مفتوحا أمام خيارات تصعيدية إذا تعرضت طهران لضربات مباشرة. هذا يُبقي المنطقة أمام سيناريوهات مفتوحة، بدءا من استمرار المواجهة غير المباشرة عبر الوكلاء إلى احتمال تصاعد الأحداث إلى مواجهة أوسع نطاقا إذا قررت واشنطن وتل أبيب تجاوز الضربات المحدودة إلى استهداف إيران مباشرة.
منذ تصاعد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، اعتمدت الولايات المتحدة استراتيجية عسكرية وسياسية مزدوجة في محاولة لاستعادة قوة الردع المفقودة. إلا أن التساؤلات لا تزال قائمة حول مدى فعالية هذه السياسة في تحقيق أهدافها المرجوة، خاصة نظرا لقدرة الحوثيين على التكيف مع الضغوط الأمريكية ومواصلة عملياتهم البحرية التصعيدية. وكجزء من هذه الجهود، أعلن وزير الدفاع الأمريكي السابق لويد أوستن عن تشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات في ديسمبر/كانون الأول 2023 لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن في إطار عملية "حارس الرخاء". ورغم تعزيز هذه القوة للإجراءات الأمنية، إلا أن هجمات الحوثيين استمرت، مما يشير إلى أن الردع العسكري وحده لم يكن كافيا لوقف الهجمات تماما. حتى الآن، قسّم الحوثيون حملتهم البحرية إلى خمس مراحل، يمكن تلخيصها على النحو التالي: • المرحلة الأولى: ركزت الهجمات على إطلاق الصواريخ على إسرائيل، بدءا من أكتوبر/تشرين الأول 2023 مع حرب غزة، وعلى السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر بدءا من نوفمبر/تشرين الثاني 2023. • المرحلة الثانية: في ديسمبر/كانون الأول 2023، توسّع نطاق الهجمات ليشمل جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية. وأصبحت السفن التي لها صلات مباشرة أو غير مباشرة بإسرائيل، وكذلك تلك التي زارت الموانئ الإسرائيلية سابقا، أهدافا. • المرحلة الثالثة: في يناير/كانون الثاني 2024، توسّع نطاق الهجمات أكثر ليشمل السفن المرتبطة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة. • المرحلة الرابعة: في مايو/أيار 2024، اتسع نطاق الهجمات مرة أخرى ليشمل السفن المملوكة أو المُشغّلة من قِبَل جهات تمتلك أيضا سفنا تزور الموانئ الإسرائيلية. • المرحلة الخامسة: تم الإعلان عن هذه المرحلة بعد إطلاق الحوثيين للطائرة بدون طيار "يافا" على تل أبيب في 19 يوليو/تموز 2024، مُمثّلة استمرارا للمراحل السابقة. في كل مرحلة، نجحت الجماعة في إجبار المزيد من السفن على تجنب جنوب البحر الأحمر. وبحلول المرحلة الرابعة، بدءا من أواخر أبريل/نيسان 2024 على الأقل، بدأت شركات شحن إضافية منخرطة في التجارة مع الموانئ الإسرائيلية في تجنب مضيق باب المندب. في الوقت نفسه، وفي مناسبات معينة، لفتت الهجمات الانتباه إلى أنشطة إقليمية أخرى، مثل تجارة النفط الروسية. تواجه الجهود الأمريكية لاستعادة الردع ضد الحوثيين تحديات معقدة، إذ لم تنجح الضربات العسكرية المحدودة والعقوبات السياسية في كبح جماح تصعيد الجماعة بشكل حاسم. وبينما تسعى واشنطن إلى تحقيق توازن بين ممارسة الضغط العسكري والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، أثبت الحوثيون قدرتهم على التكيف مع هذه الضغوط وتوسيع عملياتهم البحرية، مستفيدين من الدعم الإيراني وتصاعد التوترات الجيوسياسية. في هذا السياق، مثلت الغارات الجوية التي شنتها إدارة ترامب في اليمن المرة الأولى التي استهدفت فيها الولايات المتحدة صراحة قادة الحوثيين، بالإضافة إلى مراكزهم العسكرية ومراكز القيادة والتحكم الخاص بهم. قد يعتمد نجاح الردع الأمريكي ضد الحوثيين إلى حد كبير على تبني استراتيجيات أكثر عدوانية، مثل الاغتيالات الموجهة لقادة الحوثيين الرئيسيين - على غرار نهج إسرائيل ضد قادة حزب الله. قد يُضعف هذا التكتيك القيادة المركزية للجماعة ويُعطّل هيكلها التنظيمي، مما قد يحدّ من قدرتها على تنسيق الهجمات البحرية. ومع ذلك، ينطوي هذا النهج على مخاطر كبيرة، إذ قد يستفز الحوثيين لاتخاذ إجراءات انتقامية أكثر عدوانية، وقد يزيد من احتمالية التدخل الإيراني المباشر في المواجهة.
إيران تتجنب الدعم المباشر للحوثيين لتجنب مواجهة مع واشنطن: يشير غياب الرد الإيراني المباشر على التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله في لبنان - على الرغم من عقيدة "وحدة الجبهات" المعلنة - إلى نمط محتمل يمكن أن ينطبق أيضا على تعاملها مع التصعيد الأمريكي ضد الحوثيين في اليمن. فبينما تستخدم إيران مجموعات بالوكالة لتوسيع نفوذها الإقليمي، فإن مشاركتها العسكرية المباشرة لا تزال مقيدة بحسابات استراتيجية معقدة تتعلق بتوازن القوى، وتكلفة التصعيد، والقدرة على ردع الخصوم دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة. في حالة حزب الله، وعلى الرغم من الإجراءات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، اختارت إيران ضبط حدة المواجهة بدلا من الدفع نحو حرب شاملة. وهذا يعكس استراتيجية "الإدارة عن بُعد"، حيث تدعم طهران حلفاءها دون تدخل مباشر. قد ينطبق النهج نفسه على الحوثيين، لا سيما وأن التصعيد الأمريكي يأتي في سياق المواجهة الأوسع بين واشنطن وطهران بشأن القضية النووية، ويهدف إلى ردع تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية. ويعزز هذا المنظور تصريح لحسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإسلامي الإيراني (IRGC)، في 16 مارس/آذار 2025، أكد فيه أن "إيران لن تبدأ حربا، لكنها سترد بشكل مناسب وحاسم وحازم إذا تعرضت للتهديد". يشير هذا التصريح إلى أن طهران تفضل الحفاظ على موقف دفاعي بدلا من موقف هجومي قد يؤدي إلى تصعيد عسكري شامل. في الوقت نفسه، لا تريد أن تبدو ضعيفة في نظر خصومها، مما يعني أنها قد تُقلص دعمها للحوثيين على المدى القصير إلى المتوسط. يمكن القول جدلا إن العمل العسكري الأمريكي ضد الحوثيين من غير المرجح أن يؤدي إلى تدخل إيراني مباشر ما لم تتعرض إيران نفسها لهجوم مباشر. إذا واجهت إيران ضربات واسعة النطاق على مواقع عسكرية داخل حدودها، فقد ترد بتوسيع دعمها لوكلائها الإقليميين - رغم تراجع نفوذهم - من خلال توفير تكنولوجيا عسكرية أكثر تطورا أو حشد ميليشيات أخرى في المنطقة لتحويل الضغط عن إيران. يعكس هذا السيناريو نمطا متكررا في الاستراتيجية الإيرانية، حيث تتبع طهران نهج "سياسة حافة الهاوية" دون تجاوز الخطوط الحمراء التي من شأنها أن تستفز ردا عسكريا أمريكيا مباشرا. التصعيد الإقليمي: يُشير التصعيد الأخير - الذي اتسم بإعلان الحوثيين استهداف حاملة الطائرات الأمريكية هاري ترومان ومدمرة أمريكية في البحر الأحمر في 18 مارس/آذار 2025 - إلى مرحلة حرجة في المواجهات المستمرة، لا سيما في ظل إدارة ترامب المتشددة. وعلى عكس نهج إدارة بايدن الأكثر تحفظا، قد تدفع واشنطن نحو تصعيد أوسع نطاقا ضد قدرات الحوثيين في اليمن، خاصة إذا تأكد استمرار تورط طهران في تزويد الجماعة بأسلحة وتقنيات متطورة. من المرجح أن تنظر إدارة ترامب إلى الهجمات المستمرة على قواتها وأصولها البحرية على أنها تجاوز للخط الأحمر، مما قد يدفع إلى توسيع نطاق الإجراءات الانتقامية. وقد يشمل ذلك تكثيف الغارات الجوية على المواقع العسكرية للحوثيين داخل اليمن، واستهداف البنية التحتية التي تستخدمها إيران لنقل الأسلحة إلى الجماعة. وقد تتصاعد الإجراءات الأمريكية أيضا إلى حد التفكير في توجيه ضربات مباشرة إلى إيران نفسها. ومع ذلك، ونظرا للتعقيدات الجيوسياسية، قد لا تقتصر الضربات الأمريكية على اليمن وإيران وحدهما. قد تمتد هذه التهديدات إلى وكلاء إيران الإقليميين في العراق ولبنان، خاصة إذا استهدفت الفصائل الموالية لإيران المصالح الأمريكية في المنطقة. تمتلك هذه الفصائل القدرة على تشكيل تهديدات مباشرة للمصالح الأمريكية، مما قد يدفع واشنطن إلى توسيع نطاق ردودها العسكرية بما يتجاوز التهديد الحوثي المباشر. السيناريو الأكثر ترجيحا: في ظل الظروف الحالية، فإن السيناريو الأكثر ترجيحا هو السيناريو الأول - حيث تتجنب إيران دعم الحوثيين بشكل مباشر أو الدخول في حرب شاملة مع واشنطن، بينما توسع الولايات المتحدة ضرباتها العسكرية ضد البنية التحتية للحوثيين. ينبع هذا في المقام الأول من الحذر الاستراتيجي الإيراني في تجنب المواجهة المباشرة مع كل من تل أبيب وواشنطن، بما يتماشى مع نهجها الأوسع تجاه الأزمات الإقليمية، كما يتضح من إدارتها للتصعيد بين إسرائيل وحزب الله. ومع ذلك، من المرجح أن تدخل إيران في الصراع في حالة واحدة فقط - إذا واجهت هجوما عسكريا مباشرا.
يعكس التصعيد الأخير في البحر الأحمر تعقيد المشهد الإقليمي، حيث تتقاطع المصالح الدولية والإقليمية، مما يُبقي الأزمة مفتوحة على المزيد من التطورات في المستقبل القريب. وبينما تسعى القوى العالمية إلى احتواء التوترات ومنع تصعيد شامل، يبقى تحقيق التوازن بين الردع والاحتواء عاملا حاسما في صياغة الاستراتيجية الأمنية للمنطقة. في هذا السياق، تواجه الولايات المتحدة تحديات كبيرة في ردع الحوثيين، إذ أظهرت الجماعة قدرة عالية على التكيف مع الضغوط العسكرية والسياسية. من ناحية أخرى، يعكس نهج إيران تجاه التصعيد الأمريكي ضد الحوثيين موقفا استراتيجيا حذرا، إذ تُفضل طهران تجنب المواجهة المباشرة مع واشنطن مع استمرارها في دعم حلفائها بشكل غير مباشر. ونظرا للتوترات المستمرة، يظل البحر الأحمر نقطة محورة رئيسية في الحسابات الأمنية والاقتصادية العالمية، مما يستلزم اتباع نهج أكثر شمولا لمواجهة التحديات المتصاعدة.
First published in :
باحث في العلاقات الدولية في المركز الإقليمي للتحليل الاستراتيجي، أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة. حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية، وهو مرشح لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية، متخصص في العلاقات الدولية، من معهد البحوث والدراسات العربية، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو، ALECSO).
Unlock articles by signing up or logging in.
Become a member for unrestricted reading!