Diplomacy
هل تنجح مجموعة البريكس في تشكيل نظام عالمي جديد؟
Image Source : Wikimedia Commons
Subscribe to our weekly newsletters for free
If you want to subscribe to World & New World Newsletter, please enter
your e-mail
Diplomacy
Image Source : Wikimedia Commons
First Published in: Dec.09,2024
Dec.09, 2024
ظهر تجمع البريكس مع مطلع القرن الحالي كأحد الاقتصاديات الهامة في النسق الدولي القائم على هيمنة القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ظهور هذا التجمع، تنوعت الكتابات السياسية والاقتصادية التي حاولت تفسير مدى قدرة هذا التجمع على المنافسة العالمية في مواجهة القوى الغربية للصعود أعلى قمة هرم الهيمنة من ناحية، ودور هذا التجمع وتأثيره السياسي والاستراتيجي في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية من ناحية أخرى. ومع انعقاد القمة الرئاسية السادسة عشر للتجمع في مدينة قازان الروسية خلال الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر 2024 تحت شعار "تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن والعالميين العادلين" وبمشاركة أعضاء التجمع وعدد من الدول الأخرى وممثلي المنظمات الدولية والأممية، فقد حاولت العديد من نظريات العلاقات الدولية وضع تفسيرات لظهور وصعود هذا التجمع، كان من بينها نظرية انتقال القوة. ومن هذا المنطلق، تأتي هذه الدراسة للبحث في مجموعة البريكس BRICS من خلال الاستناد إلى تفسير نظرية انتقال القوة Power Transition Theory كأحد أهم نظريات العلاقات الدولية التي يمكن أن تساهم في وضع تفسيرات لهذا التجمع.
بريكس، نظريات العلاقات الدولية، نظرية انتقال القوة، قمة قازان
منذ تأسيس مجموعة" البريك" BRIC (البرازيل- روسيا - الهند – والصين) في سبتمبر 2006، وعقدها لأولى اجتماعاتها على مستوى القمة في 2009، وبإنضمام جنوب افريقيا لها في 2011 ليصبح أسمها "مجموعة البريكس" وقد ظهرت في الأفق ككيان يضم الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم، وباتت المجموعة بمثابة تحالف دبلوماسي وممول تزداد أهميته للتنمية في دول عديدة، كما أنه ظهر كمحاولة للخروج من السيطرة الغربية على المستوى الاقتصادي. فمع اختلاف دول مجموعة البريكس من حيث اختلاف الانتماء الجغرافي، والتباين الاقتصادي ومستوياتها الإنتاجية، والتباين العرقي والديني واللغوي، إلا أنها نجحت في ايجاد صيغة للاتفاق فيما بينها، وايجاد نفوذًا جيوستراتيجياً عالمياً. وفي هذا الاطار، يمكن الملاحظة بسهولة السعي الجاد والطموح لدول هذه المجموعة من أجل صياغة نظام دولي جديد في اطار ما يشهده العالم من تغيرات جذرية هامة. فإن الدول المنضوية حالياً تحت لواء المجموعة: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب افريقيا، إنما تقدم نفسها كبديل للكيانات المالية والسياسية الدولية العالمية القائمة، فتحاول دول المجموعة تقديم نفسها كممثل لدول الجنوب وعلى أنها "النموذج البديل عن مجموعة السبع". ومن هذا المنطلق، حظيت تجمع البريكس بإهتمام كبير من قبل قطاع عريض من الباحثين والدارسين في مختلف حقول العلوم على الرغم من حداثة تاريخ هذ ا التجمع. وعليه، تحاول هذه الدراسة من خلال الاستناد لمقولات وافتراضات نظرية انتقال القوة للوقوف على ماهية هذا التجمع؟. وهل يمكن لتجمع البريكس تحقيق نجاح في تشكيل نظام عالمي جديد؟
هذه الدارسة إنما ترى أن فهم تجمع البريكس لا يتطلب فقط التحليل التطبيقي لها، إنما يتطلب الفهم النظري ايضاً، حيث يساعد التفكير النظري على تجنب قيود التفسير التجريبي البحت لطبيعة وآليات ووجهات نظر تطور دول البريكس. وعليه، فإن هذه الدراسة تركز على تفسير نظرية انتقال القوة لصعود مجموعة البريكس، ووضعها في النظام الدولي في مواجهة القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة. وكيف تنظر هذه النظرية من خلال مقولاتها وافتراضاتها إلى هذا التجمع، ذلك من خلال الاجابة على التساؤلات التالية: هل دول البريكس مجرد مؤسسة أخرى للتعاون الدولي تتناسب مع هيكل النظام الدولي القائم، أم أنها طريقة مختلفة جذريًا للعلاقات الدولية يمكنها تغيير السياسة العالمية الحالية بشكل جدي؟ ماهي دوافع دول البريكس؟ هل يمكن أن تصبح مجموعة البريكس بديلاً عن هيمنة القوى الغربية التي تمت إضفاء الطابع الرسمي عليها في النظام الحالي للمؤسسات والأنظمة الدولية؟ هل ستوفر هذه المؤسسة ظروفًا جديدة بشكل أساسي قد تؤدي إلى تطوير التعاون الدولي على عكس سياسات القوة التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها؟ هل يمكن اعتبار دول البريكس آلية جديدة للحوكمة العالمية، أم أنها ليست أكثر من ترتيب حكومي دولي مؤقت / قصير العمر؟ وعليه، ومن خلال التساؤلات السابق، تبحث هذه الدراسة في تساؤل رئيسي يدور حول كيفية تفسير نظرية انتقال القوة لمجموعة البريكس.
على الرغم من تعدد الكتابات التي تناولت مستقبل الهيمنة العالمية في ظل الصعود الملحوظ لدور تجمع البريكس، إلا أن هذه الكتابات لم تُعنَ كثيرًا بوضع مسألة أثر عملية تحول القوة على مستقبل تلك الهيمنة في إطارها النظري، وهو الإطار الذي قد يلقي أضواء مفيدة على طبيعة التحديات المفروضة على القوة العظمى وهي تمارس هيمنتها. وفيما يلي تتناول الدراسة هذه النظرية ومدى قدرتها على تفسير صعود دول البريكس وإمكانياته على احداث تغيرات في النظام الدولي الراهن. ذلك من خلال تناول الدراسة لمفهوم تحول القوة، ومؤشراتها مع التطبيق على تجمع البريكس.
طرح أورجانسكي Organiski نظرية انتقال القوة Power Transition Theory في محاولة تحليل السياسة العالمية من خلال تقديم نظام هرمي للقوى أو الدول على ضوء نسب موارد القوة وإمكانية نشوب الحرب. وبالتالي، فهو بذلك يصف نظاماً هرمياً تعرف من خلاله كل الدول وفقاً لتوزيع القوة النسبي. حيث يتفاوت توزيع القوى بين الوحدات، فتأتي في القمة مجموعة الدول المسيطرة التي تتركز فيها القوة Dominant Nations وهي بذلك تعتلي قمة الهرم، وبالتالي فهي التي تتحكم في النسبة الأعظم من المصادر فيه، إلا أنها لا تعتبر القوة المهيمنة، ذلك لأنها لا تستطيع بمفردها أن تتحكم في سلوكيات الفواعل القوية الأخرى، إلا أنها تحافظ على مكانتها كقوة مسيطرة عبر ضمان رجحان القوة لصالحها في مواجهة القوة المنافسة المحتملة، وكذا قدرتها على إدارة السياسات العالمية وفق القواعد التي تساعد على ضمان ربح حلفائها [1].
هذا، وتأتي في الشريحة التالية من هرم القوة، تلك الدول التي يطلق عليها "القوى العظمي" Great Powers وهي تلك الدول الكبرى التي ليست بنفس درجة القوة التي تجعلها لتهيمن على السياسات العالمية، إلا أنها لديها من المقدرات التي تجعلها منافساً محتملاً للقوة المسيطرة. هذه المجموعة من الدول العظمى ترضى -بصورة عامة- بالبقاء في مركزها طالما هناك تحالف معها ومع القوة المسيطر أو المهيمنة. غير أنه في أحيان كثيرة لا ترضى عدد من الدول ذات القوة العظمى هذه من البقاء في نفس شريحتها التالية للقوة المهيمنة، وبالتالي تسعى وتحاول لإحداث تغيير في وضعها الدولي الراهن (Kai, J. (2017)). وعليه، يكون مفهوم القوة العظمى وغير الراضية – طبقاً لوصف أورجانسكي- هي مجموعة الدول التي نمت إلى أقصى قوتها بعد أن ترسخ النظام الدولي الحالي تماماً، ولم تكن لها -بالتالي - حصة أو نصيب في انشاء هذا النظام الدولي الراهن، والذي تم بالفعل توزيع منافعه. أضف إلى ذلك، القوة المسيطرة ومؤيدوها عموماً غير راغبين في منح الدول القادمة الجديدة أكثر من جزء زهيد من المزايا التي تستمدها من الوضع الراهن، وبالتالي هؤلاء القادمون الجدد إنما يسعون إلى تأسيس مكانة جديدة لهم على الساحة الدولية، هذه الدول يلاحظ أن قوتها تتنامى بسرعة ويكون من المتوقع لها الاستمرار في النمو، الأمر الذي يمنحها سبباً للأعتقاد بأنه باستطاعتها منافسة -والتفوق في بعض الأحيان- على الأمة المسيطرة من حيث القوة، كما أن من سمات هذه الفئة من الدول العظمى لا يقبلون بوضع المهمشين على الساحة الدولية خاصةً إذا كان سعيهم نحو الهيمنة والسيطرة سيساهم في منحهم منافع وامتيازات أكبر [2].
هذا، ويأتي في المرحلة الثالثة الأدنى من هرم القوة الدولية هذه المجموعة من الدول التي يطلق عليها "القوى المتوسطة" Middle Powers، وهي تعتبر دول قوية نسبياً في أقاليم جغرافية محددة، ولكنها لا تمتلك القدرة على تحدي الأمة المسيطرة أو بنية النظام الدولي في مجمله. ويأتي في قاعدة هرم القوة هذه المجموعة من الدول التي يطلق عليها "القوى الصغيرة" والمستعمرات.
وعليه، يشير مفهوم ""تحول القوة"" إلى "فقدان دولة مهيمنة لموقعها القيادي في النظام الدولي لصالح قادم آخر تتنامى قوته بشكل متسارع". وبالتالي، يسعى هذا القادم للوصول إلى موقع الهيمنة. فمن أجل حدوث تحول للقوة، يجب على الدولة الصاعدة أن تمتلك مقومات للقوة تفوق تلك التي تمتلكها الدولة المهيمنة، أو على الأقل تعادلها، وبالتالي على الدولة الصاعدة العمل على تضييق الفجوة بين مقدراتها القومية، ومقدرات الدولة المهيمنة.
نظرية تحول القوة (PTT)، تعتبر هي النهج النظري الأكثر شعبية لدراسة تجمع البريكس بين العلماء الغربيين. يعتمد PTT على عدد من الافتراضات التي من بينها: أن التغييرات في توازن القوى في السياسة العالمية تحدث بشكل منهجي، وأن النزاعات والحروب عادة ما تكون نتيجة التأثير المتزايد للدول المتنافسة مع القوى المهيمنة. في هذا الصدد، تنقسم جميع الدول إلى مجموعتين: تلك التي تدعم الوضع الراهن، و"المراجعين" وهي مجموعة الدول الصاعدة والغير راضية عن الوضع الراهن. تتمتع الدول القوية والمؤثرة، مثل الولايات المتحدة، بمزايا النظام العالمي القائم وتندرج في فئة الوضع الراهن، بينما تعتبر الدول غير الراضية عن مكانتها ودورها في نظام العالقات الدولية من المراجعين. ووفقًا لـ PTT، فإن الأخير يفضل تغييرات جذرية في النظام الدولي الحالي. وبهذا المعنى، فإن روسيا والصين هما المرشحان الأساسيان للقوى التنقيحية، بينما ينظر مؤيدو PTT إلى البرازيل والهند وجنوب إفريقيا على أنها دول ذات طموحات تنقيحية "معتدلة'' (معظمها ذات طابع إقليمي، على الرغم من أن البرازيل والهند لديهما بعض تطلعات عالمية مثل نيتهم أن يصبحوا أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي). وفيما يلي تتناول الدراسة تطبيق المؤشرات التقليدية وغير التقليدية لنظرية تحول القوة على تجمع البريكس.
بالنسبة لروسيا، فقد نجحت في تحديث قوتها العسكرية ومضاعفة انفاقها العسكري من خلال العائدات النفطية الضخمة، الأمر الذي وضع الجيش الروسي في المرتبة الثانية عالمياً ضمن أقوى 138 جيشاً في العالم بعد جيش الولايات المتحدة الأمريكية [3]. هذا، ومن المتوقع زيادة الانفاق العسكري لروسيا في ظل استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية، وفي مارس 2021 أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلاح تقرير حول صادرات السلاح لعام 2020، والذي أكد فيه على نمو صادرات السلاح الأمريكي والفرنسي والألماني مقابل تراجع صادرات السلاح الروسي-الصيني، إلا أن التقرير يتوقع ازدهار السلاح لعام 2020 خاصةً في أعقاب المساعدات العسكرية التي تقدر بمليارات الدولارات التي قدمتها أوروبا لكييف، فالحرب الروسية الأوكرانية أبرزت حتمية زيادة الانفاق العسكري والذي يتناسب طردياً مع نمو سوق السلاح. أما بالنسبة للصين، فقد تم الكشف عن الميزانية الدفاعية للصين خاصةً في ظل تصاعد التهديدات الخارجية لقمعها واحتوائها، حيث سترتفع خلال العام 2023 بنسبة 7.2% وذلك بهدف دعم وتطوير قدراتها العسكرية ليصل بذلك إجمالي الانفاق العسكري إلى 225 مليار دولار، وذلك وفقاً لمسودة تقرير الميزانية الصادر عن الاجتماع السنوي للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، لتصبح بذلك تلك الزيادة هي الأسرع في تاريخ الصين من العام 2019 في ظل تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ان التطور الاقتصادي الذي شهدته روسيا في عهد بوتين مثل نقطة ارتكاز لاستقلال القرار السياسي والذي ظهر بوضوح في استراتيجية الأمن القومي الروسي، وفي اسلوب روسيا في التعامل مع التحديات التي واجهتها على الساحة الدولية. فقد بلغ الانتاج المحلي لروسيا في العام 2020 حوالي 1.67 تريليون دولار محتلة بذلك المركز الثاني من ضمن أقوى الاقتصاديات العالمية (4)، كما تحتل المركز الثالث في انتاج النفط بنسبة تقدر 12.1% من الانتاج العالمي فضلاً عن كونها ثاني الدول المنتجة للغاز الطبيعي بنسبة 17%. هذا، وعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب على روسيا في اعقاب حربها مع أوكرانيا، يظل الاقتصاد الروسي قادراً على العودة مجدداً ولاتزال أحد القوى الكبرى على الساحة الدولية. أما بالنسبة للاقتصاد الصيني، فقد سجل نمواً بأعلى من المتوقع في الربع الأول من العام 2023 بلغ 4.5% على أساس سنوي بدعم من تحرك صانعي السياسات لتعزيز النمو بعد إلغاء القيود الصارمة لمكافحة كوفيد 19 في يناير من العام 2023. حيث قفزت مبيعات التجزئة في أول شهرين من العام بنسبة 3.5% مقارنة بالعام 2022 بما يشكل تحولاً عن انخفاض بنسبة 1.8% على أساس سنوي سجلته في يناير 2023، هذا سيقود الاستهلاك الانتعاش الاقتصادي في وقت يضفع فيه تراجع الطلب العالمي صادرات الصين. كما زاد الاستثمار في البنية التحتية في أول العام 2023 بنسبة 9% على أساس سنوي مدفوعا بإنفاق حكومي يهدف لدعم الاقتصاد (المكتب الوطني الصيني للأحصاء، 2023). وعليه، ووفقًا لـ PTT، فإن روسيا الحالية هي دولة تحريفية نموذجية تخلق العديد من المشاكل للولايات المتحدة وحلفائها. خاصةً ما تمثله من تهديدات للدول الصديقة للولايات المتحدة، مثل أوكرانيا وجورجيا وبولندا ودول البلطيق وفنلندا والسويد. كما تتفاقم المشكلة بسبب تعاون روسيا مع "الدول المارقة"، مثل سوريا وإيران وكوريا الشمالية. في حين يُنظر إلى القوى التنقيحية - روسيا والصين – على أنها مصدر لزعزعة استقرار النظام الدولي وترتبط أنشطتها تلقائيًا بعواقب سلبية، فإن سلوك الدول المهيمنة أو المسيطرة (الوضع الراهن) يعتبر إيجابيًا لأنها تؤدي وظائف وقائية داخل النظام أعلاه.
أما بالنسبة لشرح السياسات التنقيحية "المعتدلة" في البرازيل والهند وجنوب إفريقيا باعتبارهم قوى متوسطة أولاً وقبل كل شيء من خلال طموحاتهم للعب دور "الهيمنة الإقليمية" في أمريكا الجنوبية وجنوب آسيا وأفريقيا، على التوالي. ومع ذلك، على عكس البرازيل وجنوب إفريقيا اللتين ليس لهما صراعات "ساخنة" مع جيرانهما ويستخدمان بشكل أساسي ترسانة القوة الناعمة لتحقيق مواقع مهيمنة في مناطق نفوذهم، تواجه الهند تحديات أمنية أكثر خطورة بما في ذلك النزاعات الإقليمية مع الصين والباكستان – وأحيانًا - مواجهة عسكرية مع الأخيرة. وتجدر الإشارة إلى أن سياسات دول البريكس الفردية يتم تقييمها بشكل مختلف. فعدد من أنصار PTT أن البريكس أداة تسمح لبعض أعضائها بتأمين وضعهم كقوة عظمى وموازنة الغرب على المستويين الإقليمي والعالمي. ومع ذلك، فإن مجموعة أخرى من أتباع PTT يرون الموقف الدولي لدول البريكس بشكل مختلف: بينما يُنظر إلى البرازيل والصين على أنها قوى صاعدة، يُنظر إلى روسيا وجنوب إفريقيا على أنهما قوتان متراجعتان بسبب مشاكلهما الاقتصادية. غير أنه للرد على التحديات التي تطرحها الصين وروسيا، فمجموعة من مؤيدو سياسة الضغط والتحدث قد اقترحو أنواعًا مختلفة من سياسة الاحتواء، ومع ذلك لا يرى جميع منظري PTT دول البريكس كقوى مراجعة. يرى بعضهم أنه حتى سياسة بوتين في أوكرانيا يمكن اعتبارها استراتيجية للوضع الراهن تهدف إلى تأمين نفوذ روسيا في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي وموازنة توسع الناتو باتجاه الشرق [5]. هؤلاء المحللون تعتقد أن نفس دوافع (الوضع الراهن) تدفع سلوك بكين وموسكو على المستوى العالمي. على سبيل المثال، فإن بكين وموسكو متشككين تمامًا بشأن إصلاح الأمم المتحدة مفضلين الحفاظ على هيكلها وسلطاتها. أما بالنسبة لباقي دول تجمع البريكس (البرازيل والهند وجنوب إفريقيا)، على العكس من ذلك، يعربون عن اهتمامهم بإصلاح الأمم المتحدة على أمل أن يتم رفع مكانتهم في مجلس الأمن بشكل خاص وفي منظومة الأمم المتحدة بشكل عام. تعتقد المجموعة المؤيدة لسلوكيات دول البريكس المفسرة للوضع الراهن من منظري PTT أن العديد من المشاكل مع دول البريكس تنبع من حقيقة أنها لم يتم دمجها على قدم المساواة في نظام الأمن الدولي الذي ظهر في حقبة ما بعد الحرب الباردة. بمعنى أن، الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا قد تجاوزو بعض "الخطوط الحمراء" التي وضعتها روسيا في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي. فعلى سبيل المثال، كان النزاع المسلح في جورجيا في أغسطس / آب 2008 تجسيدًا واضحًا لهذه السياسة الغربية 1. كما تعتبر الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت في عام 2014 بأزمة وما زالت مستمرة حتى الآن، مثالاً آخر. عندما أعلنت سلطات كييف التي وصلت إلى السلطة بعد الإطاحة بنظام "يانوكوفيتش" علانية عزمها على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، أعادت موسكو دمج شبه جزيرة القرم في روسيا ودعمت المتمردين الموالين لروسيا في دونباس (الجزء الجنوبي الشرقي من أوكرانيا). من وجهة نظر هذه المجموعة، يتم تحديد سياسة روسيا ليس فقط من خلال مصالحها الجيوسياسية ولكن أيضًا من خلال مصالحها الجغرافية والاقتصادية، على وجه الخصوص، هناك منافسة مستمرة بين مشروعين للتكامل - روسي والاتحاد الأوروبي - في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي: الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة موسكو وبرنامج الشراكة الشرقية الذي يديره الاتحاد الأوروبي [6]. يعتقد مؤيدو وجهة النظر هذه أنه من الأفضل التعاون بدلاً من مواجهة روسيا. تم اقتراح نفس النهج فيما يتعلق ببلدان البريكس الأخرى بما في ذلك، على سبيل المثال، مبادرة "الحزام والطريق" أو مبادرة "طريق الحرير الجديد" الصينية.
في إطار المباديء والافتراضات الخاصة بالمنظور الليبرالي والتي تساعد على فهم العلاقات الدولية، و التي تعود في تاريخها إلى جون ستيوارت ميل (John Stuart Mill)، مازيني جوزيبي (Giuseppe Mazzini)، و ودرو ويلسون (Woodrow Wilson) وجون ماينار كينزو (John Maynard Keynes)، كذلك إلى تصورات إيمانويل كانط (Immanuel Kant) في القرن (18م)، فإن منظرو IR النيوليبراليون يعتقدون أنه يمكن تفسير تجمع البريكس بشكل أفضل من خلال مفهوم القوة الناعمة، ويشددون على أنه على النقيض من حقبة الحرب الباردة، عندما فضلت العديد من الدول الاعتماد على القوة (العسكرية) الصلبة، أصبحت أدوات القوة الناعمة في الوقت الحاضر أكثر فاعلية. يلاحظ الليبراليون الجدد أن استراتيجية القوة الناعمة جذابة لدول البريكس لعدد من الأسباب: أولاً، يمكن أن يساعدهم في التغلب على صورتهم السلبية في الساحة الدولية، الصورة التي نتجت عن مشاركتهم المنهجية في سلسلة من النزاعات الدولية (روسيا مقابل جورجيا وأوكرانيا؛ الصين مقابل جيرانها في بحر الصين الجنوبي؛ الهند مقابل باكستان، جنوب أفريقيا مقابل أنغولا وناميبيا). ثانيًا، يمكن أن تكون ترسانة القوة الناعمة مفيدة أيضًا في تنويع أساليب دول البريكس للتوسع الجيوسياسي والجيواقتصادي وجعل هذه الأساليب أكثر فعالية. وتجدر الإشارة إلى بعض التفاصيل المحددة في تفسير دول البريكس لمفهوم القوة الناعمة. أولاً تفسر دول البريكس القوة الناعمة بشكل مختلف عن معناها الأولي الذي قدمه جوزيف ناي، الذي عرّف القوة الناعمة بأنها قوة الجذب. لكن في الواقع، غالبًا ما تهيمن على سياسات القوة الناعمة لدول البريكس (خاصة الروسية والصينية) مصالح براجماتية بدلاً من أن تكون جذابة لدول أخرى. لهذا السبب، لا تأخذ استراتيجيات القوة الناعمة هذه دائمًا في الاعتبار تفضيلات الشركاء الدوليين. فمن وجهة نظر ناي، هذا غالبًا ما يكون غير مقبول لشركاء دول البريكس وقد يثير رد فعل عدائيًا لمبادرات القوة الناعمة الخاصة بهم [7]. هذا، وتعددت الدراسات التي رأت أن قراءة دول البريكس لمفهوم القوة الناعمة أوسع بكثير من قراءة "ناي". ففي الوقت الذي يعتقد فيه "ناي" أن القوة الناعمة لأي بلد تعتمد بشكل أساسي على ثلاثة موارد: ثقافتها، وقيمها السياسية، وسياساتها الخارجية التي ينبغي أن تكون جذابة للشركاء الأجانب، إلا أن منظرو البريكس يؤمنون بضرورة تضمين إشكالية القوة الناعمة في كل شيء لا يمكن أن يُنسب إلى الأجندة الأمنية (العسكرية). بمعنى أن، بالنسبة لدول البريكس، فإن مفهوم القوة الناعمة مرادف لمفهوم الأمن الناعم (غير العسكري) الذي لا يشمل فقط المكونات الدبلوماسية والاجتماعية والثقافية -وفقًا لناي- ولكن أيضًا عناصر أخرى، مثل: القوة الاقتصادية و/أو المالية. في المقابل، هذا الاعتقاد يعتبر غير مقبول بالنسبة لـ "ناي" الذي كان يعتقد أن الأدوات الاقتصادية والمالية يمكن أن تكون أدوات للإكراه والدفع بدلاً من الجذب. أضف إلى ذلك، بالنسبة لمنظري بريكس، فإن القوة الناعمة هي مفهوم شامل يغطي مفاهيم أخرى وثيقة الصلة: الدبلوماسية العامة، ودبلوماسية الشعوب، والبعد الإنساني للسياسة، ودبلوماسية المنظمات غير الحكومية. هذا، ومن بين أدوات القوة الناعمة، تعد الأدوات الاقتصادية والمالية والتعاون الثقافي والشتات الإثني والمؤسسات التعليمية والدينية من الأساليب المفضلة لدول البريكس. وفي هذا الاطار، أنشأت دول البريكس هيئات خاصة لتنفيذ القوة الناعمة: معاهد كونفوشيوس الصينية، وRossotrudnichestvo الروسية (وكالة للتعاون مع المواطنين في الخارج)، و"العالم الروسي"، ومؤسسات جورتشاكوف وأندريه بيرفوزفاني من بين مؤسسات أخرى. وتجدر الاشارة في هذا المقام إلى أنه في بلدان تجمع البريكس، تكون لحكومات الدول دور كبير في التحكم في سياسة القوة الناعمة وتوجيهها، الأمر الذي يجعلها أقل مرونة وفعالية. إجمالاً، يمكن القول بأن دول البريكس تستخدم القوة الناعمة بطريقتها الخاصة، في محاولة لتجنب تقليد التجربة الغربية وتجاوز تفسير "ناي" -الذي يمكن وصفه بالضيق - لمفهوم القوة الناعمة. أن صانعي السياسات والخبراء / الأوساط الأكاديمية في هذه الدول لم يطوروا حتى الآن مصطلحات واضحة فيما يتعلق بالقوة الناعمة وهذا يؤثر سلباً على كل من الفهم النظري لهذه الأداة السياسية وفعاليتها. في الوقت نفسه، تتمتع دول البريكس بإمكانيات هائلة للقوة الناعمة التي يمكن أن تعزز مواقعها الدولية إذا تم استخدامها بشكل صحيح. هذا ما أظهرته دول البريكس في الاستخدام الناجح لترسانة القوة الناعمة من خلال: التوسع الاقتصادي والمالي والثقافي للصين في جنوب شرق آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. مبادرة "الحزام والطريق" في بكين؛ مشاريع التكامل الروسية الناجحة إلى حد ما في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي (الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، منظمة معاهدة الأمن الجماعي). هذا، ومن منطلق ماسبق، يمكن القول بأنه على الرغم من وجود عدد من المزايا التي تطرحها نظرية انتقال القوة، إلا أنها بها العديد من أوجه القصور. كانت هذه النظرية أكثر قابلية للتطبيق في فترة الحرب الباردة، عندما كانت قوتان عظميان مهتمتين بالحفاظ على الوضع الراهن بسبب خطر التدمير المتبادل في حالة نشوب حرب نووية. لا يزال نظام العلاقات الدولية الحالي، بما في ذلك هيكله، في مرحلته التكوينية، وفي هذا السياق، يمكن لـ PTT أن توضح القليل عن سلوك دول البريكس. علاوة على ذلك، فإن PTT لا تأخذ في الاعتبار وجود نوع ثالث من الدول - الإصلاحية التي لا تتفق تمامًا مع نظام العلاقات الدولية الحالي، ولكنها تفضل عدم تغيير "قواعد اللعبة" بشكل جذري. بدلاً من ذلك، يحاولون تكييف هذه القواعد مع التغييرات الديناميكية في النظام العالمي لجعلها أكثر إنصافًا وراحة لجميع أعضاء المجتمع الدولي. في كثير من الأحيان، لا تتصرف هذه الدول كمراجعين، ولكنها تفضل الوضع الراهن من خلال المطالبة بضرورة مراعاة "قواعد اللعبة" والمعايير القانونية الدولية. على سبيل المثال، تعارض دول البريكس بشدة أي محاولات لمراجعة ميثاق الأمم المتحدة فيما يتعلق باستخدام القوة العسكرية ومبادئ حرمة سيادة الدولة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة (على عكس العقيدة الغربية "للتدخل الإنساني"). يتضح من خلال ماسبق، إذا أراد مؤيدو PTT أن تتناسب هذه النظرية بشكل أفضل مع الحقائق الحالية والاحتفاظ بقوتها التفسيرية، فإنهم بحاجة إلى مراجعة تصنيف الدول التي يستخدمونها وتكميلها بنوع جديد ("إصلاحي") من السلطات.
فخلال الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر 2024، استضافت مدينة قازان الروسية فعاليات القمة الرئاسية السادسة عشر تحت شعار "تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين"، وذلك بمشاركة أعضاء التكتل وعدد من الدول الأخرى وممثلي المنظمات الدولية والأممية. شهدت هذه القمة عدد من الديناميكيات والفعاليات، والتي يمكن حصرها في العناصر التالية: 1. استمرار طلبات الانضمام للتجمع: حيث مثل التجمع نحو 36.7% من الاقتصاد العالمي في عام 2024، وهو ما يزيد على حصة دول مجموعة السبع، والتي بلغت 30% في عام 2023، وفي اطار ذلك، أبدت العديد من الدول رغبتها في الانضمام، وأبرزها تركيا التي تقدمت خلال شهر سبتمبر 2024، بطلب رسمي للانضمام، كما تقدمت دول مثل: أذربيجان وبيلاروسيا للانضمام للتجمع. 2. مُشاركة واسعة من قادة الدول: شاركت 38 دولة في قمة تجمع "البريكس" التي عقدت بمدينة قازان الروسية، وقد كانت أغلب المشاركات على مستوى القادة والزعماء؛ وجاءت المشاركات بشكل أساسي من رؤساء الدول الأعضاء بالتكتل، وهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ووزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا، هذا إلى جانب مشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومشاركة بعض زعماء الدول التي أبدت اهتماماً بالتكتل، بما في ذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه شينه. وشاركت المملكة العربية السعودية بوفد رفيع المستوى يترأسه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، باعتبارها دولة مدعوة للانضمام للمجموعة، وليست عضواً كامل العضوية كما هو الحال للدول المنضمة حديثًا بداية العام 2024. 3. التركيز على الموضوعات الدولية: كان الاهتمام الرئيس لأجندة تلك القمّة منصباً حول حوكمة النظام العالمي ومُؤسساته خصوصاً المؤسسات المالية التي باتت تضر بالدول النامية وتميل لتحقيق مصالح القوى الغربية وحدها؛ وما تتسبب فيه العقوبات الغربية من ضرر بالغ للاقتصاد وتعارضها مع قيم العولمة، فضلاً عن التطرق للقضايا الدولية والإقليمية المُتأجّجة مثل الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط. كما تم تبادل وجهات النظر بشأن التعاون بين دول مجموعة "البريكس" على الساحة الدولية، بما في ذلك ما يخص حلّ النزاعات الإقليمية الجارية. وكان موضوعاً على الأجندة مُناقشة ما خلصت إليه القمة السابقة في جوهانسبرغ، خاصة تعميق التعاون المالي داخل المجموعة، ومُناقشة توسيع نطاق المجموعة وضمّ الأعضاء الجدد في ظل إعراب أكثر من 30 دولة عن الرغبة في الانضمام. 4. عقد لقاءات عديدة على هامش القمّة: جرى على هامش القمة؛ عدد من اللقاءات بين المشاركين، لعل أبرزها عقد لقاء مباشر بين الرئيس الصيني ونظيره الهندي للمرة الأولى، وجاء ذلك بُعيد توصل البلدان لاتفاق بشأن تسيير دوريات على الحدود المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، بعد أربع سنوات من المواجهة العسكرية التي أدت إلى تصعيد التوترات بين البلدين. كما أجرى بوتين باعتباره الرئيس المُضيف لقاءات ثنائية مع كل المشاركين من الدول الأعضاء، وكذلك رؤساء الدول المدعوة مثل: الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس لاوس ثونغلون سيسوليث، والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، والرئيس البوليفي لويس آرسي. 5. تقديم موسكو مُقترحات تعاونية: تمثلت في استحداث آلية لتبادل المعلومات عبر الإنترنت لحل النزاعات المُتعلقة بالتجارة الإلكترونية؛ بهدف إنشاء إطار استباقي قبل التقاضي، ومُبادرة لإنشاء مركز التحكيم الاستثماري لمجموعة "البريكس"، وتطوير اتفاقية لتسوية النزاعات الاستثمارية، واقترحت أيضاً إنشاء بورصة حبوب مجموعة "البريكس"، والتي من شأنها أن تساعد على اكتشاف أسعار عادلة وقابلة للتنبؤ بالنسبة للمنتجات والمواد الخام؛ لضمان الأمن الغذائي وحماية الأسواق الوطنية من التدخلات الخارجية الضارة، والمضاربات، ومحاولات خلق نقص مصطنع في الغذاء. خلصت تلك القمة إلى عدد من المخرجات والنتائج، وتمت بلورة إعلان قازان باعتباره البيان الختامي للقمة، وكان من أبرز تلك المخرجات: 1. التعاون المالي والنقدي: من خلال المضي قدماً نحو تأسيس بنية تحتية مُستقلة لتنظيم تسوية المدفوعات والتعاملات المالية عبر الحدود (BRICS Clear)، مع تركيز آلية التعاون بين البنوك في مجموعة "البريكس" BRICS Interbank Cooperation Mechanism (ICM) على تسهيل وتوسيع الممارسات والأساليب المالية المُبتكرة للمشروعات والبرامج، بما في ذلك إيجاد آليات مقبولة للتمويل بالعملات المحلية. مع دراسة إنشاء منصة نقل مُوحّدة لضمان الخدمات اللوجستية مُتعددة الوسائط بين دول الرابطة، والترحيب بإنشاء منصة استثمارية جديدة تستخدم البنية التحتية لبنك التنمية الجديد. 2. اصلاح حوكمة النظام العالمي: من خلال إقرار تأييد الدعوة التي أطلقتها مجموعة العشرين خلال ترؤس البرازيل للمجموعة بشأن إصلاح الحوكمة العالمية، مع تأييد الحوارات والشراكات التي تعزز التعاون مع القارة الإفريقية مثل قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي، وقمّة مُنتدى الهند وإفريقيا، وقمّة روسيا وإفريقيا، مع العمل على البناء على مخرجات إعلان جوهانسبرغ الثاني لعام 2023، ودعم الدعوة للإصلاح الشامل للأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن التابع لها؛ بهدف جعله أكثر ديمقراطية وتمثيلاً وفعالية وكفاءة، وزيادة تمثيل البلدان النامية في عضوية المجلس حتى يتمكن من الاستجابة بشكل مُناسب للتحديات العالمية السائدة، ودعم التطلعات المشروعة للبلدان الناشئة والنامية من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. 3. الموقف من الأحداث الفلسطينية: أكّد التكتل الأهمية العاجلة لإطلاق عملية سياسية شاملة لمعالجة مشكلة الشرق الأوسط برمتها، ووقف العنف وتوفير المساعدات الحيوية للمتضررين، والعمل على إقامة حلّ الدولتين وإصلاح الظلم التاريخي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، وهو ما يُعد الضمان الوحيد لإرساء السلام في الشرق الأوسط، مع دعم انضمام فلسطين للتكتل كدولة عضو. 4. تعزيز الأمن النووي: تدعو دول التكتل إلى تعزيز نظام منع الانتشار النووي وأن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، مع التشديد على ضرورة تجديد جميع الأطراف للاتفاق النووي الإيراني. كما تم الإعلان عن دعم مُبادرة تأسيس مركز للبحث وتطوير اللقاحات، وكذلك مواصلة تطوير نظام الإنذار المبكر المتكامل لمجموعة "البريكس" للوقاية من مخاطر الأمراض والأوبئة. 5. بالنسبة للحرب الروسية -الأوكرانية: فقد أكد أعضاء التجمع على أهمية اللجوء للحل السلمي للأزمة الأوكرانية واللجوء لسبل الحوار. تحمل القمة وديناميكيتها ومخرجاتها العديد من الدلالات وقد يترتب عليها بعض التداعيات، وهو ما يمكن تبيانه على النحو التالي: 1. المرونة والحيوية الروسية: ان نجاح الدبلوماسية الروسية والكرملين في استضافة تلك القمة في هذا التوقيت وحشد المشاركة الدولية الواسعة بمن في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة يمثل تحدياً للمساعي الغربية في تمثيل بوتين باعتباره قائداً معزولاً خاضعاً للعقوبات الغربية ومُهدداً بالاعتقال، بموجب حكم المحكمة الجنائية الدولية؛ إذ أثبتت روسيا مدى مرونة وحيوية شراكاتها الإقليمية والدولية باعتبارها نظاماً يحظى بالقبول والثقة الدولية. 2. توازن السياسة الخارجية التركية: لعل المشاركة التركية قد أثارت الكثير من ردود الفعل؛ نظراً لأنها صاحبة الجيش الأكبر في صفوف "الناتو" المعادي لروسيا، إلا أن ذلك يأتي امتداداً لتوجهها المتوازن في سياستها الخارجية من أجل تنويع التحالفات مع الحفاظ على العلاقات مع الغرب، كما أنها تعكس التململ التركي من السياسة الأوروبية بشأن حصول أنقرة على عضوية الاتحاد الأوروبي، ومن شأن الانضمام التركي لتجمع "البريكس" أن يحقق مكاسب استراتيجية للمجموعة؛ إذ سيضفي عليها طابعاً متوازناً بدلاً من النظر للمجموعة باعتبارها معادية للغرب، وسيحقق ذلك مكاسب لتركيا التي سوف تستفيد من مرونة علاقتها مع كل من الشرق والغرب. 3. انشاء عملة موحدة: إذ إن ما أُثير بشأن الرمزية التي استخدمها بوتين خلال القمة بشأن عملة مُوحدة للتكتل لم يلق قبولاً من بعض أعضاء التكتل أنفسهم، ممن يخشون التماهي مع التوجه الروسي الصيني على حساب مصالحهم وعلاقتهم بالغرب، وفي مقدمتهم الهند والبرازيل. ثمّة قدر من المبالغة في تصور إمكانية إلغاء مكانة الدولار في النظام العالمي والمضي قدماً نحو نزعه عن الاقتصاد العالمي. 4. حلحلة توازنات القوى: لا يمكن إغفال ما يعكسه الاهتمام من قبل دول الجنوب بالمشاركة في فعاليات قمّة "البريكس" وكذا القوى الدولية الصاعدة، وما يمثله من توجه لدى تلك الدول للتعبير عن رغبتها في تغيير موازين القوى في النظام العالمي القائم على الهيمنة الغربية، والتعبير عن الاستياء من النظام السائد ، الأمر الذي يعكس الاهتمام بمساعي الصين وروسيا في توجيه المجتمع الدولي ضد النظام الغربي لما يتسم به من ازدواجية في المعايير خصوصاً بعد اتضاح الهشاشة في منظمات المجتمع الدولي المنوط بها تحقيق قواعد القانون الدولي فيما يتعلق بالحرب في الشرق الأوسط، فضلاً عن كشفهم العوار في قواعد التجارة الدولية، وأطر العقوبات الاقتصادية التي تلحق الضرر باقتصادات دول الجنوب لصالح الغرب. وفي التقدير، لا يمكن إغفال أهمية التطور الذي تمثله مجموعة "البريكس" وما تعكسه من تحول حثيث في النظام العالمي، في إطار ما تضمّه من اقتصاد وأسواق وموارد طبيعية وتصنيعية وكتلة بشرية مهولة، لكن المبالغة في تقدير تأثير تحركات المجموعة يحيد عن الواقع، خاصة بالنظر إلى أن المجموعة تحمل في طياتها العديد من التناقضات التي تحول دون تحرك المجموعة بفاعلية، وفي ظل تباين مصالح وأهداف أعضائها أنفسهم، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من طبيعة مخرجات القمة الرئاسية، والتي تقتصر على الإعلانات والتصورات بشأن مشروعات تعاونية عامة دون وجود برامج زمنية وخطط تنفيذ واقعية للعديد منها؛ فإن فعالية التجمع تظل موضعاً للتساؤل.
تشير البيانات إلى أن معدل الناتج المحلي الاجمالي لدول البريكس إلى الناتج المحلي الاجمالي العالمي يشهد تزايداً مستمراً خلال الفترة (2000-2023) إلى الدرجة التي جعلتها تتفوق لأول مرة على دول مجموعة السبع الصناعية عام 2020، حيث بلغت حصة البريكس 31.02% لدول مجموعة السبع الصناعية.
ومن الملاحظ أن معدل الناتج المحلي الاجمالي لدول البريكس قد شهد محطات من الانخفاض خلال الفترة المذكورة (2000-2024)، ويمكن تفسير هذا الانخفاض لمجموعة من الأسباب التي كان من بينها: الأزمة المالية العالمية 2009، الظروف الاقتصادية التي مرت بها عدد من دول تجمع البريكس مثل: البرازيل 2015 والمتمثلة في ارتفاع عجز الموازنة وارتفاع معدلات التضخم، روسيا 2014، تراجع الناتج المحلي لجنوب افريقيا بسبب انهيار اسعار المواد الأولية، وانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي لدول التجمع بسبب الأثار المترتبة على جائحة كوفيد-19 وعلى الاقتصاد العالمي.
هذا، أما بالنسبة لحجم التبادل التجاري، فقد شهد نمواً بنسبة 95.2% خلال الفترة من 2010-2022 حيث سجل حوالي 10.52 تريليون دولار عام 2022 في مقابل 5.39 دولار عام 2010 [9].
وعلى جانب تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، فبالرجوع لبيانات الأونكتاد نجد تضاعف تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى تجمع البريكس لأكثر من أربعة أضعاف خلال الفترة من 2001 إلى 2021، حيث سجلت نحو 355 مليار دولار عام 2021 مقارنة بحوالي 84 مليار دولار عام 2001. أضف إلى ذلك، فقد بلغت حصة هذه التدفقات إلى إجمالي التدفقات العالمية نحو %22 عام 2021، مقارنة بنحو 11% عام 2001 [10].
وتشير بيانات الأونكتاد أيضًا إلى ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر بين دول التجمع ليبلغ نحو 167 مليار دولار عام 2020، مقارنة بنحو 27 مليار دولار عام 2010، وقد لعبت الصين الدور المحوري لهذه الزيادة من خلال كونها تعتبر أكبر مستثمر ومتلق للاستثمارات داخل تجمع البريكس. وعلى جانب البرازيل والهند، فقد شهدتا نمواً قوياً من بين دول التجمع، في حين تراجع النمو الروسي وانخفاض رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر لجنوب إفريقيا [11].
تعددت نظريات العلاقات الدولية التي حاولت وضع تفسيرات لظهور وتطور تجمع البريكس، كانت أحدى هذه النظريات هي نظرية انتقال القوة. تتمتع نظرية انتقال القوة بعدد من المزايا التحليلية المفسرة لصعود تجمع البريكس، إلا أن من أكبر أوجه القصور التي تواجهها هو قابليتها للتطبيق بصورة أكبر على ظروف مرحلة الحرب الباردة حيث الحفاظ على الوضع الراهن والتخوف من نشوب حرب نووية. غير أن النظام الدولي الراهن يختلف تماماً حيث أنه في مرحلة ميلاد جديد يعيق نظرية انتقال القوة في تفسير سلوك دول البريكس. الأمر الذي يترتب عليه ضرورة اهتمام الباحثين والأكاديميين بعدد من نظريات العلاقات الدولية المفسرة لتجمع البريكس مثل نظرية: التعايش السلمي، نظرية الحالة، ونظرية الإقليمية العالمية. أضف إلى ذلك، على مؤيدو نظرية انتقال القوة مراجعة تصنيف الدول التي يستخدمونها لتصنيف الدول، وعليهم وضع نوع أخر وهو الدول الاصلاحية كما جاءت في الدراسة. ان مفهوم القوة الناعمة كما وضعها "جوزيف ناي" تختلف تماماً عن التي تستخدمها مجموعة البريكس، فالمجموعة تلتزم بنهج ذرائعي وعملي لاستخدام القوة الناعمة الموجهة لتعزيز وحماية المصالح الوطنية بدلاً من مراعاة تفضيلات الشركاء الدوليين. تطبق الدول الأعضاء في البريكس في سياستها الخاصة بالسعي وراء المكانة طرقًا مختلفة – من استراتيجيات التنقل والمنافسة – إلى أنواع مختلفة من السياسات. يُعد تجمع البريكس من أهم التجمعات الاقتصادية العالمية التي تتميز بعدد كبير من المزايا التي تؤهلها للقيام بدور حيوي في احداث تغيرات في الاقتصاد العالمي نظراً لتنوع اقتصادات اعضائها: ومن بين هذه المزايا: - تنامي الثقل الاقتصادي للتجمع نتيجة ارتباطه باقتصادات الدول الناشئة، الأمر الذي يسهم في تحسين ترتيبها داخل اقتصادات دول العشرين. - الدور الحيوي الذي يلعبه التجمع في الأمن الغذائي العالمي من خلال احتلال كلاً من روسيا، البرازيل، والهند كأكبر منتجي ومصدري القمح، الفول الصويا، والأرز - على التوالي - - تبنى التجمع عدداً من المبادرات المهمة لتعزيز وتشجيع الاستثمار داخل التجمع، خاصةً مع زيادة القلق بشأن أوضاع الاقتصاد العالمي والتحديات المرتبطة بالتوترات على الساحة الدولية. - تهتم دول تجمع البريكس بانشاء آليات مالية تنموية بديلة عن تلك الغربية مثل: بنك التنمية الجديد (NDB)، وانشاء صندوق احتياطي للطواريء (CRA). - تأسيس استراتيجية الشراكة الاقتصادية لتجمع البريكس 2025 والذي يحدد مسار تنمية التجمع، وتضع إطار التعاون بين أعضائها وفقاً للاتجاهات والظروف الاقتصادية الراهنة.
References
1 تعتبر الحرب الروسية الجورجية التي اندلعت في أغسطس 2008 أحد الأدلة على بدء سعي روسيا للسيطرة واستعادة نفوذها السابق سواء إقليميا أو عالمياً، حيث أن تلك الحرب مثلت لموسكو فرصة كبيرة لتحقيق نصالحها عبر استعادة نفوذها في جورجيا من جهة، وإيصال رسالة للغرب وللدول السوفيتية السابقة التي تحاول الخروج من دائرة النفوذ السوفيتي بأنها قادرة على حماية مصالحها ونفوذها ولا يمكن الاستهانة بقوتها وقدرتها العسكرية والتعامل معها كدولة كبرى لها دور فاعل ومؤثر. لمزيد من التفاصيل حول الحرب الروسية- الجورجية 2008، أنظر: عودة،جهاد (2017)، الحرب الروسية- الجورجية: استعادة النفوذ الروسي في جورجيا، المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية، المجلد ،31 العدد .1
[1] Organski, A. F. K., and Jacek Kugler. The War Ledger. Chicago: University of Chicago Press, 1980.
[2] A. F. K. Organski and Jacek Kugler. The War Ledger. Pp. xii, 292. Chicago, IL: The University of Chicago Press, 1980
[3] Stockholm international Peace2020 ،
[4] Statistical Review of World Energy, 2020
[5] Samuel Charap & Keith Darden, Russia and Ukraine, Global Politics and Strategy, Volume 56, 2014, Issue 2.
[6] Patricia Hill Collins, Intersectionality’s Definitional Dilemmas, Annual Review of Sociology, Volume 41, 2015.
[7] Joseph S.Nye, JR, The Limits of Chinese Soft Power, The World’s Opinion Page, Jul 10, 2015.
[9] World Development Indicators Database.
[10] UNCTAD. 2023. BRICS Investment Report
[11] UNCTAD. 2023. BRICS Investment Report
First published in :
World & New World Journal Publication
أستاذة مشاركة في العلوم السياسية، متخصصة في العلاقات الدولية والقانون الدولي. خبرة ممتازة في تدريس مقررات العلوم السياسية المختلفة باللغتين الإنجليزية والعربية لأكثر من 18 عاما. الإشراف على عدد من رسائل الماجستير. قائدة فريق في مجالات أكاديمية مختلفة؛ أعمال الجودة والاعتماد، أعمال الامتحانات والرقابة. عضو الجمعية العربية للعلوم السياسية.
Unlock articles by signing up or logging in.
Become a member for unrestricted reading!